تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » إنما المؤمنون إخوة للصف الثامن

إنما المؤمنون إخوة للصف الثامن

  • بواسطة

إنما المؤمنون إخوة
ثانياً: أسباب تقوية العلاقة بين المسلمين
إخوة الإسلام مقدمة على إخوة النسب

فأردت في هذه الليلة المباركة -بناء على دعوة كريمة من أخوة كرام- أن أتحدث في مفهوم الأخوة بين المسلمين فقط (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)( ) والموضوع طويل ومتشعب، ولم أتطرق إلى الموضوع في جميع الفقرات التي أشرت إليها في مقدمتي، وإنما سأتطرق إلى زاوية العلاقة بين المسلم والمسلم، وبين حق المسلم، وأبيِّن حق المسلم على المسلم، وحق المؤمن على المؤمن.
أقف مع هذه المعاني التي ضعفت في نفوس كثير منا، وبنيْنا العلاقة على غير هذه الأسس إلا من رحم الله. هذا هو موضوعنا أيها الأخوة.
وهنا أقول: إن الأخوة الإيمانية لها مكانة في الإسلام، وهي مقدمة على إخوة النسب (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)( ) أخوة الإيمان أقوى من أخوة النسب؛ فشقيقك إذا لم يكن على عقيدتك وعلى مبدئك فلا يجوز أن تواليه، بل يجب أن تعاديه كائنا من كان، بل يجب أن تتبرأ منه، أما المؤمن -إذا كان مؤمنا صادقا- فهو أقرب إليك من أخيك، ومن ابنك، ومن أبيك -إذا لم تتحقق فيهم هذه المعاني.
اسمعوا إلى هذا الأثر يبين هذه القضية: من مصعب بن عمير  مصعب بن عمير، هذا الشاب الذي تخلى عن الدنيا ورغباتها ومقوماتها، وجاهد في الله حق جهاده، في يوم بدر كان يسير بعد انتهاء المعركة -و له أخ اسمه أبو عمير- هذا الأخ كان كافرا وجاء مع الكفار من قريش، فأسره أحد الصحابة، في أثناء أسره مرّ مصعب بن عمير -شقيقه- ففرح أبوعمير، وقال: جاء أخي ليتوسط لي، جاء أخي ليطلق سراحي، فماذا قال مصعب؟ ماذا قال للصحابي الجليل؟ هل قال له: أطلقه فإنه أخي! أطلقه فإنه شقيقى؟ لا.
قال له: شدّ وثاقه؛ فإن أمه غنية. اربطه حتى نفديه بعد فترة؛ لأن أمه غنية. أمه مَن؟ هى أم مصعب  فغضب أبو عمير، وقال: أهذه وصيتك لأخيك؟ هذا ما كنت أرجوه منك؟ انظروا إلى هؤلاء الذين تمكن الإيمان من قلوبهم – قال له مصعب: إنه أخي دونك، إن هذا الصحابي الذي يأسرك هو أخي دونك، أما أنت فلست أخي، لماذا؟ لأنه غير مؤمن. هذه هي مكانة الإخوة الإيمانية.
مفهوم الحب والبغض

النقطة الثانية في هذه القضية: مفهوم الحب والبغض:
الحب في الله، والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان -أيها الإخوة-، الحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان؛ ولهذا راجعوا أنفسكم -أحبتي الكرام- هل نحن نوالي ونعادي، ونحب ونبغض ضمن الميزان الشرعي؟ أو أننا نحب ونقدم المحبة في الدنيا على المحبة في الله- جل وعلا؟
إذا أحسن إلينا إنسان في مصلحة من مصالح الدنيا أقبلنا إليه وأحببناه، وقدّمنا محبته على إخوتنا في عقيدتنا وفي ديننا. هذا واقع كثير من الناس، وهذا -كما قلت لكم- خلل في المعتقد أيها الأحباب.

حسن الخلق

النقطة الثانية -مما أنبه إليه في هذا المقام- حسن الخلق:
كثير من المسلمين ساءت أخلاقهم، ومع كل أسف إنني نُقل لي عن بعض الناس أنه يفسر سوء الخلق الذي وقع فيه كثير من الناس فيقول: هذه ضريبة الحضارة، لا نريد حضارة تؤدي بنا إلى سوء الخلق.
الله -جل وعلا- يقول لرسوله- صلى الله عليه وسلم-: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ)( ) ويقول -جل وعلا-:
(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)( ) يقول الرسول  " إن العبد ليبلغ بحسن الخلق منزلة الصائم القائم " ( ) حسن الخلق -فقط- يبلغ فيه منزلة الصائم القائم؛ ولذلك أصبح الذين حسنت أخلاقهم يعدون على الأصابع في كثير من المجتمعات.
النقطة الثالثة في هذا الموضوع -أيها الأحبة-: هي وقفة تتعلق بحسن الخلق، وبالمعاملة؛ لأن الرسول  يقول: " إن من خياركم أحسنكم أخلاقا " ( ) ويقول: " البر حسن الخلق " ( ) وعائشة لما سُئلت عن رسول الله  " كيف كان خُلقه " ( ) ماذا قالت؟ قالت:
" كان خلقه القرآن " ( ) . ما أحوجنا إلى من خلقهم القرآن.
التبسم في وجه أخيك المسلم

أقف مع قضايا يسيرة ولكنها مهمة جدا، تقوي الوشائج، وتشد الروابط، وتوثق العلاقة بين المؤمنين، وهي لا تكلفنا شيئا أيها الأخوة.
المسألة الأولى، التبسم: وهذه القضايا التي سأشير إليها هي قضايا نفسية، ولكنها مهمة للغاية، وأغفلها كثير من المسلمين.
أولا: التبسم.
يقول الرسول  " وتبسمك في وجه أخيك صدقة " والرسول  كان كثير التبسم في وجه أصحابه، التبسم -يا أحبتي- هل يكلفنا شيئا؟ إنه أثقل على بعض المسلمين من جبل أحد، الابتسامة اليسيرة يتبسمها في وجه إخوانه ثقيلة جدا، كبيرة جدا إلا على من وفقه الله -جل وعلا.
إذا سلمت على أخيك وتبسمت له، إذا لقيته وتبسمت له، تنشرح أسارير صدره، وهذا نراه في نفوسنا.
فرق بين أن يسلم عليّ من يسلم، ويسلم عليك من يسلم وهو مقطب الجبين، أو يسلم وكأنه لا يعنيه من الأمر شيئا، أو أن يتبسم في وجهك.
كم نقبل على بعض الناس وفي نفوسنا ما فيها، فإذا تبسموا في وجوهنا زال ما فيها؟ " وتبسمك في وجه أخيك صدقة ".
الهدية
ثانيا: الهدية الهدية -أيها الأحباب- الهدية تسل السخيمة من النفوس، وقد ضعفت الهدية الآن بين المسلمين، وضعفت بين الأقارب، وضعفت بين طلاب العلم إلا في جوانب لم تطبق على مفهومها الصحيح.
أحيانا نجد الهدية أصبحت بين النساء؛ من أجل المباهاة، ومن أجل التفاخر، ومن أجل إثقال كاهل الزوج -لا- الهدية مهما كانت يسيرة؛ فإن لها قيمة عظيمة في نفوس أصحابها.
ولذلك رسول الله  كان يرفض الصدقة، لا يقبل الصدقة- صلى الله عليه وسلم-، ولكنه كان يقبل الهدية.
كان في حجة الوداع  فجاء أحد الصحابة، وقد صاد صيدا للرسول  فأهداه له، فلم يقبله رسول الله  فوجد رسول الله التأثر في وجه الصحابي، فهل سكت رسول الله؟ قال له: إننا لم نقبله منك إلا لأننا حُرم -أي محرمين- فاطمأنت نفس هذا الصحابي؛ لأن الصيد إذا صيد من أجل المحرم لا يأكله المحرم، فهو من محظورات الإحرام.
فأقول: إن الهدية مهما كانت يسيرة لها قيمة عظمى، والعجيب.. خذوا مثالا على واقع الهدية: لو جئت في مجمع عام، في مناسبة مثل هذه المناسبات، واستدعيت رجلا من الحضور وقلتَ له: خذ هذه عشرة آلاف ريال هدية مني إليك، قد يغضب غضبا شديدا؛ كيف تعطيه مبلغا من المال أمام الناس؟! وقد لا يقبله حتى من دون أن يكون أمام الناس، ويعتبر هذا إهانة، ولكن لو تدعوه وتعطيه هدية -قد لا تزيد عن خمسين ريالا- يتقبلها ويفرح بها، ويرد عليك بأحسن منها.
إذن، الهدية من الوسائل التي تقوى العلاقات بيننا.

إفشاء السلام

المسألة الثالثة: مما يعالج النفس، ويزيل السخيمة وأمراض القلوب، ويقوي الأخوة-: هو إفشاء السلام " أفشوا السلام بينكم " ( ).
خذوا مثالا -يا إخوان- عمليا: لو كنت واقفا أو جالسا مع بعض أصحابك، ومر رجل ولم يسلم عليكم، كم تجدون في نفوسكم عليه؟ ولو مر آخر -وفي نفوس بعضنا عليه شيء- ثم سلم علينا لأزال ما في نفوسنا، وانتزع هذا الغل من نفوسنا. " أفشوا السلام بينكم " ( ).
قضية يسيرة سهلة ميسرة، تؤدي إلى معنى عظيم في معنى الأخوة وحقيقة الأخوة.
التناجي
وأخيرا: نجد أن من القضايا النفسية قضية التناجي: يقول الرسول  " لا يتناجى اثنان وبينهما ثالث إلا بإذنه " ( ) أو كما قال -صلى الله عليه وسلم.
إذا كانوا ثلاثة لا يجوز أن يسرّ أحدهما إلى الآخر دون الثالث، لماذا؟ لأنه أول ما يتبادر إلى ذهنه أنهم يتحدثون عنه؛ لأنه يقول: لو لم يتحدثا عني لأفصحا بالكلام، فلذلك السنة أن يُستأذن، ويقول: بيننا كلام هل تأذن لنا؟ أو يُنتظر حتى يذهب أو يكثر من في المجلس.
هذه وشائج يسيرة ولكنها مهمة، أحببت أن نقف عندها.

سبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.