ما هي الاستقامة ؟
هي الوفاء بالعهد وملازمة الصراط المستقيم، والجمع بين أوامر الطاعة واجتناب المعاصي.
والاستقامة ضد الاعوجاج، وهي ألا نختار على الله شيئًا،
وخلاصة ما قال العلماء في معنى الاستقامة:
"دوام حال العبد على محبه الله تعالى وطاعته واجتناب معاصيه والتوبة المعجَّلة منها حال وقوعها".
عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبا علي السري يقول:
رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت: يا رسول الله , روي فيك أنك قلت شيَّبتني هود،
قال: نعم، قلت: ما الذي شيَّبك منها؟ قصص الأنبياء وهلاك الأمم؟ قال: لا،
ولكن قوله تعالى ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ﴾.
قال ابن عباس: إنها اشد آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم..
ولقد عاب الله على الذين لا يستقيمون على حال، فقال تعالى:
﴿وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (يونس: 12).
والخلاصة أن المؤمن يجب أن يأخذ من رمضان شهر الاستقامة على طاعة الله وعبادته زادًا لبقية عامه ليكون حاله بعد رمضان مستقيمًا على محبة الله وطاعته، ملتزمًا بأمره، مصلحًا من شأن نفسه وأمته، تائبًا مداومًا على العمل لدين الله ونصرته، أما أن يكون ذلك منه في رمضان ثم يتغيَّر إلى النقيض بعده فقد يكون هذا من علامات عدم القبول.
وليكن هناك درس عملي: ليكن لكلٍّ منا عمل سر مع الله عز وجل؛ فمثلاً على المدخن أن ينويَ أن يأخذ من رمضان حدًّا فاصلاً للتوبة من التدخين، وعلى هواة مشاهده الأفلام الخليعة أن يتخذوا من رمضان بدايةً لعدم انقطاعهم عن بيت الله والمحافظة على الصلاة في الجماعة، وعلى من يسيرون في ركاب أي ظالم أو فاسق يتقوون به ويقويهم على ظلم العباد أن يتخذوا من رمضان فرصةً للتوبة ويستقيموا بعده، وكلٌّ أدرى بنفسه وبطاعته وذنوبه.
فهلا استقامت الأمة بعد رمضان على ما كانت عليه في رمضان وتعلَّمت درس الاستقامة فيصدق فيها قول الحق جل وعلا: ﴿وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ (الجن: 16).
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا الاستقامة على طاعته وعلى عبادته، وأن يثبِّت أقدامنا على الصراط المستقيم ..
من جميل ما قرأت عن الاستقامة للأستاذ / شائع الغبيشي في صيد الفوائد بعنوان ( لماذا الاستقامة ؟؟!!) ..
-الاستقامة موافقة للفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها قال تعالى :
( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم:30)
قال السعدي رحمه : الفطرة هي الخلقة التي خلق الله عباده عليها و جعلهم مفطورين على محبة الخير و إيثاره و كراهة الشر و دفعه و فطرهم حنفاء مستعدين لقبول الخير و الإخلاص لله و التقرب إليه 0
قال صلى الله عليه و سلم : ( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه )
و في الحديث القدسي : ( و إني خلقت عبادي حنفاء كلهم و إنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ) رواه مسلم .
-الاستقامة موافقة للعقل السليم الذي وهبك الله إياه فالعاقل لو خير بين طريقين أحدهما مستقيم معبّد واضح بيّن سهل و الآخر متشعب وعر معوج فلاشك أنه بعقله السليم يختار الطريق المستقيم فما بالك بطريقين أحدهما يوصل إلى رضوان الله و الجنة و الآخر يوصل إلى سخط الله و النار فماذا يختار العاقل اللبيب قال تعالى : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام:153)
و قال سبحانه: (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الملك:22)
قال السعدي رحمه الله : [ أي الرجلين أهدى ؟ من كان تائهاً في الضلال غارقاً في الكفر قد انتكس قلبه فصار الحق عنده باطلاً و الباطل حقاً ؟ ومن كان عالماً بالحق مؤثراً له عاملاً به يمشي على الصراط المستقيم في أقواله و أعماله و جميع أحواله ؟ ] .
قال سيد قطب رحمه الله : [ إن الحالة الأولى هي حال الشقي المنكود الضال عن طريق الله المحروم من هداه الذي يصادم نواميسه و مخلوقاته لأنه يعترضها في سيره و يتخذ له مساراً غير مسارها و طريقاً غير طريقها فهو أبداً في تعثر
و أبداً في عناء , و أبداً في ضلال .
و الحال الثانية : هي حال السعيد المجدود المهتدي إلى الله , الممتع بهداه , الذي يسير وفق نواميسه في الطريق اللاحب المعمور الذي يسلكه موكب الإيمان و الحمد و التمجيد . و هو موكب هذا الوجود كله بما فيه من أحياء و أشياء .
إن حياة الإيمان هي اليسر و الاستقامة و القصد . و حياة الكفر هي حياة العسر و التعثر و الضلال …
فأيهما أهدى ؟ و هل الأمر في حاجة إلى إجابة ؟ إنما هو سؤال التقرير و الإيجاب
– الاستقامة موافقة للكون من حولك فالكون كله مستقيم على أمر الله أرضه و سماءه جباله و بحاره وديانه و أنهاره دوابه و أشجاره كواكبه و نجومه الكون بأسره عابد لله عز وجل مطيع لسيده و مولاه قال تعالى : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) (الحج:18)
الشمس و البدر من أنوار حكمته *** و البر و البحر فيض من عطاياه
الحوت سبحه و الوحش مجده *** و الطير عظمه و الكل ناداه
والنمل تحت الصخور الصم قدسه *** والنحل يهتف حمدا في خلاياه
و الناس يعصونه جهراً و يسترهم **** و العبد ينسى و ربي ليس ينساه
فالاستقامة موافقة الكون و عندما توافق الكون فتستقيم على أمر الله فإن الكون بأسره يمنحك الحب و الوداد يفرح لفرحك و يحزن لحزنك كيف لا و أنت تتفق معه في العبودية لله رب العالمين بل إنه من فرط حبه لك عندما يفجع بموتك يجهش بالبكاء و يخيم عليه الحزن و الأسى .
الاستقامة على أمر الله عز و جل و الصبر عليها في هذه الأزمان سبب للحصول على أجر خمسين من الصحابة رضي الله عنهم فعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : ( إن من ورائكم أيام الصبر ، الصبر فيهنّ كقبض على الجمر ، للعامل فيهنّ أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم ) قالوا يا رسول الله أجر خمسين منا أو منهم ؟ قال : ( بل أجر خمسين منكم ) رواه الترمذي و صححه الألباني
مبارك عليك أخي المستقيم هذا الفوز العظيم و هذا الظفر المبين و تلك الرتب العالية التي تحصلها بصبرك على استقامتك . الاستقامة على أمر الله عز و جل و الصبر عليها في هذه الأزمان سبب للحصول على أجر خمسين من الصحابة رضي الله عنهم فعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : ( إن من ورائكم أيام الصبر ، الصبر فيهنّ كقبض على الجمر ، للعامل فيهنّ أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم ) قالوا يا رسول الله أجر خمسين منا أو منهم ؟ قال : ( بل أجر خمسين منكم ) رواه الترمذي و صححه الألباني
مبارك عليك أخي المستقيم هذا الفوز العظيم و هذا الظفر المبين و تلك الرتب العالية التي تحصلها بصبرك على استقامتك .
استضاف الشيخ د.محمد العوضي وزير إيطالي مسلم وكان سبب إسلامه – استقامة أمير سعودي عمره 17 عاماً لفت نظره خلقه الجم واستقامته وبعده عن كل محرم …. مما جعله يحب هذا الدين ويُسلم ..فما أروع الاستقامة .
علامة استقامة القلب
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
( فصل ) وإنما يستقيم له هذا باستقامة قلبه وجوارحه فاستقامة القلب بشيئين:
( أحدهما )
أن تكون محبة الله تعالى تتقدم عنده على جميع المحاب فإذا تعارض حب تعالى الله وحب غيره سبق حب الله تعالى حب ما سواه فرتب على ذلك مقتضاه.
ما أسهل هذا بالدعوى وما أصعبه بالفعل فعند الامتحان يكرم المرء أو يهان وما أكثر ما يقدم العبد ما يحبه هو ويهواه أو يحبه كبيره وأميره وشيخه وأهله على ما يحبه الله تعالى فهذا لم تتقدم محبة الله تعالى في قلبه جميع المحاب ولا كانت هي الملكة المؤمرة عليها وسنة الله تعالى فيمن هذا شأنه أن ينكد عليه محابه وينغصها عليه ولا ينال شيئا منها إلا بنكد وتنغيص جزاء له على إيثار هواه وهوى من يعظمه من الخلق أو يحبه على محبة الله تعالى.
وقد قضى الله تعالى قضاء لا يرد ولا يدفع أن من أحب شيئا سواه عذب به ولا
بد وأن من خاف غيره سلط عليه وأن من اشتغل بشيء غيره كان شؤما عليه
ومن آثر غيره عليه لم يبارك فيه ومن أرضى غيره بسخطه أسخطه عليه ولا بد.
( الأمر الثاني )
الذي يستقيم به القلب تعظيم الأمر والنهى وهو ناشئ عن تعظيم الآمر الناهي فإن الله تعالى ذم من لا يعظم أمره ونهيه قال سبحانه وتعالى : { ما لكم لا ترجون لله وقارا } قالوا في تفسيرها : ما لكم لا تخافون لله تعالى عظمة ما أحسن ما قال شيخ الإسلام في تعظيم الامر والنهي : هو أن لا يعارضا بترخص جاف ولا يعرضا لتشديد غال ولا يحملا على علة توهن الانقياد
ومعنى كلامه أن أول مراتب تعظيم الحق عز وجل تعظيم أمره ونهيه وذلك المؤمن يعرف ربه عز وجل برسالته التي أرسل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كافة الناس ومقتضاها الانقياد لأمره ونهيه.
وإنما يكون ذلك بتعظيم أمر الله عز وجل واتباعه وتعظيم نهيه واجتنابه فيكون تعظيم المؤمن لأمر الله تعالى ونهيه دالا على تعظيمه لصاحب الأمر والنهي ويكون بحسب هذا التعظيم من الأبرار المشهود لهم بالإيمان والتصدق وصحة العقيدة والبراءة من النفاق الأكبر .
فإن الرجل قد يتعاطى فعل الأمر لنظر الخلق وطلب المنزلة والجاه عندهم ويتقي المناهي خشية سقوطه من أعينهم وخشية العقوبات الدنيوية من الحدود التي رتبها الشارع صلى الله عليه وسلم على المناهي فهذا ليس فعله وتركه صادرا عن تعظيم الأمر والنهي ولا تعظيم الآمر والناهي فعلامة التعظيم للأوامر رعاية أوقاتها وحدودها والتفتيش على أركانها وواجباتها وكمالها والحرص على تحينها في أوقاتها والمسارعة إليها عند وجوبها والحزن والكآبة والأسف عند فوت حق من حقوقها كمن يحزن على فوت الجماعة ويعلم أنه تقبلت منه صلاته منفردا فإنه قد فاته سبعة وعشرون ضعفا .
آثار الاستقامة في حياة المسلم :
أولاً: الإيمان الصادق بالله عز وجل.
ثانياً: الاتباع الكامل والاقتداء التام بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً: أداء الواجبات: "ما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحبُّ إليَّ مما افترضته عليه" الحديث، وفعل الواجبات أفضل من ترك المحرمات.
رابعاً: الانتهاء عن المحرمات والمكروهات.
خامساً: الإكثار من النوافل والتطوعات: "لا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به" الحديث.
سادساً: المداومة على أعمال الخير: "أحب العمل إلى الله أدومه" الحديث، وقالت عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان عمله ديمة".
سابعاً: التوسط والاعتدال، فخير الأمور الوسط، وعمل قليل في سبيل وسنة خير من كثير في بدعة، والاعتدال لا يعني التسيب والانفلات، فبين التشدد، والالتزام، والتفلت فروق دقيقات.
ثامناً: حفظ الجوارح وسجن اللسان.
تاسعاً: السعي لتزكية النفس: "قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا"4.
عاشراً: الاجتهاد في طاعة الله عز وجل، وفي نيل مرضاته قدر الطاقة، إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا الاستقامة على طاعته وعلى عبادته، وأن يثبِّت أقدامنا على الصراط المستقيم ..