السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
يستند مفهوم الأمن المائي كمفهوم مطلق علي أساس جوهري هو الكفاية والضمان عبر الزمان والمكان.أي أنه يعني تلبية الاحتياجات المائية المختلفة كما ونوعا مع ضمان استمرار هذه الكفاية دون تأثير من خلال حماية وحسن استخدام المتاح من مياه , وتطوير أدوات وأساليب هذا الاستخدام, علاوة علي تنمية موارد المياه الحالية, ثم يأتي بعد ذلك البحث عن موارد جديدة سواء كانت تقليدية أو غير تقليدية. وهذا المفهوم يربط بين الأمن المائي وبين ندرة المياه.
طبيعة وحجم المشكلة :
ندرة المياه والضغوط الناجمة عن ذلك:
الإستخدام الشائع لمصطلح " الندرة " هو الوضع الذي تكون عنده المياه غير كافية لتلبي المتطلبات الإعتيادية. ولكن هذا التعريف المنطقي قلما يُستخدم من قبل صنّاع القرار وواضعي الخطط، حيث أن هناك درجات للندرة: مطلقة، مهددة للحياة، موسمية، مؤقته، دورية … إلخ. والشعوب التي تستهلك كميات كبيرة من المياه بشكل إعتيادي قد تتعرض لندرة مؤقته أكثر مما هو الحال في المجتمعات المعتادة على إستخدام كميات أقل بكثير من المياه. وعادة ما تحدث الندرة بسبب نزاعات إجتماعية إقتصادية ذات علاقة قليلة بالحاجات الأساسية.
إصطلاحات مثل ندرة المياه، نقص المياه وضغوطات نقص المياه تستخدم كبدائل لنفس المعنى، ولكنها فعليا تحمل معاني محددة كما يلي:
1- نقص المياه:
المجاعة أو النقص المطلق، أو المعدلات المتدنية لموارد المياه إلى حدود دُنيا تتجاوز الإحتياجات الأساسية. ويمكن قياس ذلك من خلال التدفقات السنوية المتجددة (بالمتر المكعب) لكل نسمة من السكان، أو العلاقة التبادلية مقارنة بعدد الأفراد الذين يعتمدون على كل وحدة من الماء (مثال ملايين الأفراد لكل كيلو متر مكعب).
2- ندرة المياه:
عدم توازن بين العرض والطلب تبعا لتدابير النمط الإجتماعي السائد و/ أو الأسعار، أو أنه زيادة في الطلب عما هو متوفر من عرض، أو أنه معدل إستهلاك عالي مقارنة بالعرض المتوفر خاصة إن كانت إحتمالات العرض المتبقي صعبة أو مكلفة التحقيق.
3- الضغوطات الناجمة عن المياه:
هي الأعراض الناجمة عن ندرة أو نقص المياه مثال تصاعد الخلاف بين المستخدمين والمنافسة على الماء، وإنحدار معايير الإعتمادية والخدمة، وإخفاقات الحصاد الزراعي وعدم توفر الأمن الغذائيالناقـــص :
إحدى النقاط للبدء هي إقرار حد أدنى للمياه المتجددة لكل نسبة من السكان ثم معاملة البلدان التي لديها أقل من هذا الحد على أنها تعاني من " نقص في المياه ". وبالتالي على أساس معدلات وفرة مياه مجددة داخليا بأقل من 1.000 متر مكعب للنسمة فإن منظمة الغذاء والزراعة تعتبر أن المياه في حالة تقييد حاد للتصوير الإجتماعي الإقتصادي وكذلك حماية البيئة. وتشير التقديرات إلى أن 20 دولة ستكون عند هذا الحد أو أقل منه بحلول عام 2024 (منظمة الغذاء والزراعة 1995)، ومعظم هذه البلدان ستكون في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. أما على أساس معدلات وفرة مياه بأقل من 2.000 متر مكعب للنسمة فسوف تعتبر المياه في حالة تقييد حاد محتمل بل ومشكلة رئيسية في سنوات الجفاف، ويتوقع أن ينطبق ذلك على 40 دولة من ضمن هذه الفئة في عام 2024 (منظمة الغذاء والزراعة 1993).
ندرة المياه والأمن الغذائي :
ندرة المياه أيا كانت أبعادها أو أصولها فهي تجعل المجتمعات تشعر بأنها غير حصينة وبالتالي ستسعى للبحث عن أمن مائي أفضل. وجوهر الأمن المائي هو أن يجب أن يكون لدي المجتمعات إمكانية حصول على مياه كافية أو يجب أن يكون لديها الوسائل للحد من الضرر الذي يترتب عن نقص المياه.
الانكشاف المائي هو الوجه الآخر للأمن المائي وله مظاهر عديدة، فعلى أساس أبسط معدلاته يمكن للجفاف أن يهدد أرواح الناس وسبل عيشهم. وبالرغم من أن حالات وفاة الشعوب من جراء العطش نادرة لحسن الحظ إلا أن هناك حالات متكررة من المجاعات التي يترتب عنها فقدان سبل العيش للشعوب مثل موت ماشيتهم ومحاصيلهم الزراعية وموارد ممتلكاتهم العامة التي يعتمدون عليها. وفي إحدى المراحل تزول قطاعات إقتصادية تعتمد على المياه مثل الزراعة التي تعتمد على الري وطاقة الكهرباء والصناعة والسياحة. وهناك أيضا عدم الأمن الذي تتعرض له البيئة بسبب نقص المياه مثال فقدان أو ندرة العادات الجميلة وموت الحياة البرية. وأخيرا فإن فقدان الأمن المائي قد يكون مكلفا وغير مريح للمستخدمين الذين أقاموا مستوياتهم المعيشية والأدوات المنزلية والبيئة العاملة على أساس إستخدام كميات وفيرة من المياه.
لهذه الأسباب تكون الحكومات مهتمه بتحسين الأمن المائي على المستوى الوطني. وبعض الدوافع وجوانب القرار تكون مشابهة لتلك المحيطة بالأمن الغذائي على المستوى الوطني. والأمن بموجب ما جاء أعلاه من الشعور بإمكانية الحصول على المياه يمكن بالعادة تحسينه ولكن مقابل تكلفة. وهذه التكلفة قد تكون ذات شروط إقتصادية أو إجتماعية أو سياسية أو دبلوماسية. وبالتالي فإنه يتعين تطبيق نوع من المقايضة.
سبل تعزيز الأمن المائي:
الحصول على موارد المياه متجددة من خلال إستثمارات في تحويل مجاري الأنهار أو بإقامة السدود أو برامج لضخ المياه الأرضية.
يمكن أن تكون الإستثمارات في عمليات أكثر فاعلية للحصول على المياه أو معدات للري أو تدوير المياه أو إعادة الإستخدام، وفي هذه الحالات تكون تكلفة الأمن ذات جانب إقتصادي.
إقناع أو إجبار الشعب على أن يغير سلوكه تجاه المياه وطريقة إستخدامه للمياه مثال وضع عدادات لقياس الإستهلاكات أو حظر إستخدام المياه للحدائق، والأمن في هذه الحالات تكون تكلفته إجتماعية وسياسية.
البحث عن إمكانية حصول على المياه على المستوى الدولي وذلك عن طريق الإستيراد أو زيادة حصة البلد من المياه المشتركة، وفي هذه الحالات يكون تحسين إمكانية الحصول على المياه على المستوى الدولي مقابل شراء تكلفته إقتصادية وسياسية أو دبلوماسية.
إزدياد الأمن المائي عادة ما يحسن إمكانية الأمن الغذائي، ولكن العكس ليس صحيحا: فزيادة الأمن الغذائي من خلال التوسع في مناطق الري سوف يخفض أمن القطاعات الأخرى التي لا تستخدم المياه بل ويضاعف الضغوطات الناجمة عن المياه، إلا اذا صاحب ذلك تحسين توصيل المياه أو التحسين في إدارتها.
ما بين 30 و40 بالمائة من الطعام في العالم يأتي من 17 بالمائة من إجمالي الأراضي القابلة للزراعة والتي تستخدم مياه الري لزراعتها. بالإضافة لذلك فإن خُمس القيمة الإجمالية للإنتاج من الأسماك يأتي من الإستزراع بإستخدام مياه نقية. وبالتالي فإن تطوير المياه للإنتاج الغذائي يمثل عنصرا هاما في زيادة الأمن الغذائي وكذلك أمن وإستقرار الموارد الغذائية. وفي القرن القادم سيزداد الإعتماد على إدارة المياه: إعادة تأهيل أنظمة التحكم في المياه غير الفعالة وأيضا إستبدال أنظمة الري التقليدية ذات الطابع القديم والقائم على الوفرة إلا أنظمة تعتمد على تكنولوجيا دقيقة. وتحقيق ذلك سيتطلب الأموال والمزارعين والموارد المؤهلين والقادرين وأيضا إدارات قوية سياسيا.
في العديد من البلدان التي تقع في مناطق قاحلة والتي تكون إمكانية حصولها على مياه أمطار للزراعة محدودة تكون المضاعفات الناجمة عن المياه أعلى من المعدل الذي يسمح بزراعة طعام كاف محليا لإطعام السكان. وفي بعض هذه البلدان تدعو السياسات الوطنية إلى إنتاج محلي من الطعام للحماية من طوارئ عدم القدرة على إستيراد الطعام بأية تكلفة مثل حالات الحظر على المياه أو الحظر التجاري. ومثل سياسات الإنتاج المحلي هذه فقد تم تبنيها أثناء فترات حظر لمواقف سياسية ضد بلدان تفتقر للمياه، الأمر الذي تسبب في بعض الحالات بإستخراج مياه جوفية ليست من النوع المتجدد وذلك لإنتاج محاصيل غذائية متدنية القيمة. وبشكل عام فمثل هذه السياسات ينجم عنها إنتاج طعام محلي عالي التكلفة مما يقلل من الأمن الغذائي للشريحة ذات الدخل المتدني من المجتمع. هذا وإن القلق الوطني بشأن كفاية المياه لإنتاج الطعام هو من ضمن المؤثرات التي تؤدي إلى ما يسمى " حروب المياه ".
الإكتفاء الغذائي الذاتي يتطلب إقتصادا يستطيع إنتاج صادرات كافية ليغطي الواردات من الغذاء لكي يلبي الإحتياجات الغذائية لسكانه. ويتطلب أيضا أن تكون بعض الأماكن في العالم ذات تربة رطبة ناجمة عن مياه الأمطار والري وذلك لزراعة طعام كاف لكافة سكان العالم. وفي سياق الإكتفاء الغذائي الذاتي فإن جانب الأمن المائي يمكن تحقيقه من خلال سياسة إجتماعية وإقتصادية للتطوير والترشيد وكذلك الإستخدام الأمثل لموارد المياه من أجل تلبية الإحتياجات للإستخدام المحلي والمدني، هذا بالإضافة إلى إحتياجات التجارة والسياحة والصناعة لتستطيع بالنهاية توفير وظائف للسكان. والإعتماد على التبادل التجاري لأغراض الأمن الغذائي تنطوي على بعض المخاطر مثل تدني شروط التبادل التجاري في الأسواق العالمية وعدم الثقة بالموردين وكذلك عدم إستقرار الأسعار وإحتمالات الحظر على التبادل التجاري الغذائي. والأمن الغذائي والأمن المائي في البلدان ذات المضاعفات الناجمة عن المياه مرتبطة تماما بمتانة المركز التجاري والذي يعززه إستقرار المنطقة وأمنها الشامل.
م/ن