الزمان / 29 ذي الحجة ـ 922 هـ .
المكان / الريدانية [العباسية الآن] ـ القاهرة ـ مصر .
الموضوع / العثمانيون بقيادة سيم الأول ينتصرون على المماليك ويستولون على مصر .
الأحداث /
مقدمة :
مفكرة الإسلام : إن حياة الدول إنما هي تمامًا مثل حياة الإنسان تمر بنفس أطواره من ولادة ثم ترعرع ثم قوة ثم ضعف ثم شيخوخة ثم موت؛ لأن الله عز وجل كتب على فنسه البقاء وعلى غيره الفناء، وبقاء الدول وطول مدتها إنما يتوقف على تعاطي أسباب القوة والبقاء والصمود واجتناب أسباب الزوال والهلاك، لذلك ترى دولاً تعمر طويلاً، ودولاً هلاكها سريع، ويبقى المسلم بني هذه وذاك متدبرًا معتبرًا .
دولة المماليك :
كان المماليك دائمًا أهل طعان ونزال كانوا أشقاء للسف والرمح قهروا التتار والصليبيين أبطلا عين جالوت ووقعة حمص وشقحب وفتحوا قبرص، ولكن لما نسوا تلك الرسالة السامية التي عاشوا من أجلها في الذود عن حياض الأمة المسلمة، وانقلبوا إلى متسلطين على شعوبهم فقدوا دورهم في التاريخ وحانت نهايتهم المحتومة وموت دولتهم السريع، تنقسم دولة المماليك إلى مرحلتين وهما :
دولة المماليك البحرية أو المعزية، واستمرت من سنة 648 هـ، حتى سنة 784 هـ، تعاقب فهيا 24 سلطان أشهرهم سيف الدين قطز قاهر التتار والظاهر بيبرس قاهر الصليبيين، والناصر محمد بن قلاوون .
دولة المماليك الشراكسة أو البرجية، واستمرت من سنة 784هـ حتى سنة 922 هـ، تعاقب فيها 23 سلطانًا أشهرهم الظاهر برقوق والأشرف برسباي فاتح قبرص والأشرف قايتباي، وقلنصوة الغوري، وآخرهم طومان باي الذي قاد المماليك في معركة الريدانية .
وقد قام المماليك بجهود مشكورة في خدمة الأمة الإسلامية وذلك كما يلي :
1 ـ صد هجمات التتار وردهم إلى بلادهم بعد أن كادوا أن يستولوا على كل بلاد المعمورة .
2 ـ تطهير سواحل الشام والثغور الإسلامية من بقايا وفلول الصليبيين في عكا وطرابلس وبيروت حتى لم يبق بها أثر ولا ذكر لعباد الصليب، مما أثار الحمية للإسلام عند عموم المسلمين في أيامهم .
3 ـ قدوا نهضة حضارية كبيرة، ونشطوا عمرانيًا فبنوا المدن والقلاع والمساجد والقصور والمعاهد والمدارس، واهتموا بالعلم اهتمامًا كبيرًا، وكان لبعضهم مشاركات علمية مثل الغوري وانبرى أهل العلم في مدنهم للتدوين والتأليف حتى عدت فترتهم أخصب وأنتج الفترات الإسلامية ونبغ في أيامهم الكثير من العلماء الأفذاذ مثل النووي وابن تيمية والعز بن عبد السلام وابن القيم وابن حجر والحافظ المزي والذهبي وابن كثير والمقريزي والسخاوي والقلقشندي وابن جماعة وغيرهم كثير .
4 ـ أحيوا الخلافة العباسية مرة أخرى بعد أن زالت ببغداد ونقلوها إلى القاهرة .
العلاقة بين الدولة العثمانية ودولة المماليك :
في الوقت التي كانت فيه الدولة المملوكية تدخل طور الشيخوخة وللهرم كانت هناك على الطرف الآخر شمال شرق بلادهم دولة أخرى تدخل في طور القوة والشباب، وهذا أدى قطعًا لنوع من الخلافات لكون الدولتين متجاورتين وتعتبر جبال طوروس هي الحد الفاصل بينهما، وقد وقعت عدة حوادث وقامت عدة أسباب أدت في النهاية لتوتر العلاقة بين الدولتين ثم الامتثال بينهما وهي :
1 ـ موقف المماليك العدائي من العثمانيين حيث كان يقوم سلاطين المماليك بإيواء المتردين والمعارضين للحكم العثماني، كما أدى الأِشرف قايتباي الأمير [جم] المعارض لأخيه السلطان بايزيد الثاني، وكما أدى قنصوة الغوري الأمير [أحمد] أخو سليم الأول .
2 ـ الموقف السلبي للدولة المملوكية في وقوفها المعنوي مع الشاه إسماعيل الصفوي بل تمادوا أكثر من ذلك، وراسل المماليك الصفويين للتعاون ضد العثمانيين هذا رغم أن المماليك والعثمانيين أهل سنة والصفويين شيعة متعصبون يكرهون الإثنين .
3 ـ الخلاف الحدودي بين الدولتين في منطقة طرسوس الواقعة بين الطرف الجنوبي الشرقي لآسيا الصغرى وبين شمالي الشام، والنزاع الدائم بين قبائل تلك المنطقة .
4 ـ تفشي ظلم الدولة المملوكية ورغبة أهل الشام وعلماء مصر في التخلص من هذا الظلم والانضواء تحت لواء الدولة العثمانية، وقد كتب قضاة المذاهب الأربعة والأشراف عريضة نيابة عن الجميع يخاطبون فيها سليم الأول بالقدوم إلى بلادهم لأخذها ورفع ظلم المماليك الذي يخالفون الشرع الشريف وقد جاءت رسائل من سوريا ومصر بهذا المعنى لسليم الأول، فاستشار علماء وفقهاء دولته فأشاروا عليه بضم الشام ومصر لأملاكه لرفع المظالم وتطبيق الشرائع .
5 ـ ضعف المماليك عن رد عارية البرتغاليين الصليبيين الذين نزلوا الخليج العربي استولوا على عدن وفي نيتهم الزحف إلى الأراضي المقدسة والاستيلاء على المدينة، ونبش القبر الشريف للمقايضة بالجسد الطاهر على بيت المقدس، ونجاحهم في الاستيلاء على العديد من مدن جنوب الجيرة مما أوجب سرعة التحرك قبل سقوط الأماكن المقدسة .
موقعة مرج دابق :
كان السلطان سليم الأول، ذا عقلية عسكرة فذة، وهمة ونشاط في التحركات الحربية، وفي أثناء انشغاله في القتال مع الدولة الصفوية الشيعية التقطت مخابراته الحربية رسائل متبادلة بين الشاه إسماعيل الصوي وقنصوه الغوري، مما أكد الشكوك القديمة من تحالف الطرفين على العثمانيين فقرر سليم الأول التوجه للمماليك فور الانتهاء من الصفويين وبالفعل زحف السلطان سليم بجموع غفيرة إلى الشام، وارع قنصوه الغوري للقاءه خارج مصر، وفي يوم 25 رجب سنة 922هـ التقى الجيشان عند مرج دابق على مشارف حلب، وانتصر العثمانيون رغم المقاومة الباسلة التي أبداها الغوري وكان في الثمانين من العمر، وقتل الغوري، ودخل حلب ثم دمشق وسانده الأعيان وأمراء الشام مثل جان برولي الغزالي وفخر الدين المعني، وكلاهما سيكون له خيانة بعد ذلك للعثمانيين يقتل بها، وأكرم العثمانيون الغوري بعد مقتله وكفنوه وصلوا عليه ثم دفنوه في مكان لائق ثم واصل سليم وحفه إلى مصر .
معركة الريدانية :
قبل أن يتحرك سليم الأول من الشام أرسل على زعيم المماليك بمصر وهو طومان باي برسالة يدعو فيها للطاعة للدولة العثمانية، ولكنه سخر من هذه الرسالة، تمادى أكثر من ذلك بأن قتل الرسول وهذا يعد إعلانًا بالحرب كما هو معروف .
أسرع سليم بجيوشه ومن دخل في طاعته من أهل الشام إلى مصر، واستعد طومان باي للقتال وفي يوم 29 ذي الحجة سنة 922 هـ، التقى الجيشان في منطقة الريدانية، [وهي حي العباسية الآن في القاهرة]، وحول المماليك صد الهجوم، وكانوا من قبل أرباب السيف والرمح واستبسلوا في القتال خاصة كبيرهم طومان باي الذي قاد مجموعة فدائية بنفسه واقتحم معسكر سليم الأول وقبض على وزيره سنان باشا وقتله بيده ظانًا منه أنه سليم الأول، ولكن الخطة العسكرية الذكية التي وضعها العثمانيون وأبطلت مفعول المدفعية المملوكية إضافة للتفوق العسكري المادي والخططي لصالح العثمانيين والروح المعنوية العالية لدى العثمانيين كل ذلك حسم المعركة لصالح العثمانيين .
وبذلك زالت دولة المماليك العظيمة لما حق عليها القول ووجبت جنوبها وركبت أسباب الهلاك وتعاطف مقومات الزوال، فأذن الله عز وجل في ذهابها، وأخذتها سنة الاستبداد وسبحان من يبقى وغيره يفنى .
منقـوووولٍ ..,