الفتوحات الأموية
وهكذا ترسّخت التقاليدالحربية، وباتت الفتوح عنصرًا أساسيًا في برامج الخلفاء الأمويين الأوائل، تحدوهمإلى ذلك دوافع سياسية واقتصادية بما يوائم النمط الإمبراطوري لدولتهم، ولكن من دونأن يغيب عنها حافز الجهاد لدى قادة عظام كرّسوا حياتهم له. وإذا كانت جبهة الشمالقد واجهت صعوبات بعد فشل الحملة الأولى على القسطنطينية (49 هـ)، مصطدمة بالدفاعاتالبيزنطية المتبعة، إذ كانت جبهة الغرب قد تعثّرت في أعقاب معركة تهوده (63هـ)، حيثاستشهد القائد الشجاع عقبة بن نافع الفهري، فإن الجبهة الشرقية لم تستكن منذ أن حققالعرب المسلمون انتصارهم الباهر في معركة نهاوند (21هـ) الحاسمة، فاتحة «الطريق إلىالانتشار في أرجاء الإمبراطورية الفارسية المتهادية.
لعل قتيبة كان من اكتشافالحجاج، رجل السياسة والحرب والقبضة الحديدية في العراق والمشرق الإسلامي، شأنالقائد الملهم الآخر محمد بن القاسم فاتح السند، إذ كلاهما غير معروف حينذاك، ولمتسبقه تجربة أو شهرة من قبل. فقد يكون انتماء القائدين للقبائل المضرية (القيسية)،التي تنتسب إليها «ثقيف» قبيلة «الحجاج» ما شجّع الأخير على اختيارهما بعد أن ضاقذرعًا بالولاة اليمنيين في خراسان، لاسيما يزيد المعروف بصلفه وكبريائه، حتى أن عمربن عبدالعزيز لم يخف تبرّمه – بعد أن أصبح خليفة – من أبناء الأسرة المهلبية الذينوصفهم بالجبابرة. ولم تكن «باهلة»، قبيلة قتيبة، معدودة بين القبائل الكبرى، وقدوصفها القلقشندي بأنها «حي من أعصر من قيس بن عيلانالعدنانية».
أما قتيبة فقد انفرد ابن خياط بخبر عن مولده الذي وقع سنةست وأربعين للهجرة، أي أنه كان قد بلغ السابعة والثلاثين من عمره حين عيّنه الحجاجواليًا على خراسان قبيل وفاة الخليفة عبدالملك (86هـ). وكان لايزال عبر هذه السنينمغمورًا لا يريد له ذكر في المرويات التاريخية، مما يعني أنه لم يكن في دائرةالسلطة، على الرغم من موالاة أسرته للخلافة الأموية. ولكن اختيار قتيبة لمنصب تنافسعليه رجال كبار، لم يأت مصادفة أو لمجرّد انتمائه للقيسية، بقدر ما كان لشخصيتهالقيادية من دور في ذلك، خصوصًا، إذا عرفنا أن مهمته تعدّت مجال الإداة إلى ساحاتالحرب، التي كانت بانتظاره وراء حدود الولاية الصعبة، الأكثر اضطرابًا بالأزماتوالتناقضات، فضلاً عن هواجس القلق إزاءها فيما بعد.