المدرسة الإحيائيّة ( الاتباعيّة ) – الاتجاه القوميّ
نكبـة دمشــق
أحمد شوقي ( أمير الشعراء )
1 ) مضمون القصيدة :
ينفعل شوقي بنكبة دمشق فيأسى لها ، ويقبح أنباء الكارثة ، ويصور قسوة قلوب المستعمرين ، وينصح السوريين ، ويرسم لهم طريق الخلاص من الذل ، ويدعوهم إلى التضحية ورص الصفوف .
ويبدو التلاحم القومي في القصيدة مجسدا في تحرر الشاعر من الإقليمية ، ورؤيته العالم العربي كله وطنا واحدا يجمهم رابطة لغوية وتاريخية وحضارية. ( انظر قوله : ويجمعنا إذا اختلفت بلاد بيان غير مختلف ونطق ) .
2 ) سمات الأفكــار :
— السمو والصحة وعمق الرؤية :
يتمثل ذلك في تصوير بشاعة الجريمة ، وقسوة مرتكبيها ومخادعتهم ، وما تبع الجريمة من ردود أفعال عربية وعالمية ، وما ينتظر من مواقف سورية ترتفع إلى مستوى الحدث : فتحرير الأوطان يُنتزع ولا يُطلب ، ودماء الشهداء حياة للأجيال القادمة ، والحرية حرام إلا على الأيدي المضرجة بالدماء ، فإما أن نكون أو لا نكون .
( انظر قوله : وقفتم بين موت أو حياة فإن رمتم نعيم الدهر فاشقوا )
— الإقناع عقلا ووجدانا :
* تأثر الشاعر والعالمين العربيّ والإسلاميّ معه لِما حدث لدمشق :
أما الشاعر فلارتباطه القومي والعاطفيّ بالحدث .
وأما العالمان العربيّ والإسلاميّ فلمودتهما بلاد الشام ، واحترامها .
* ينبغي للشرق أن يكون كتلة متضامنة :
لأن مشكلاته متشابهة ، وهمومه واحدة ويعاني من سيطرة الأجنبي كما تعاني سورية .
* ينبغي أن يتجاوز السوريون الخلافات ، ويواصلوا الثبات ، ولا يُخدَعوا : فالعدو قاس مخادع ، لا يرق لضعيف ، ولا يعرف للإنسانية معنى ، ولا يلين إلا ليَخدع .
— التجـديد والابتكـار :
* تمتاز أفكار النص بالغيرة القومية ، ويظهر تلاحمه القومي حين يتألم لتنكيل المستعمرين بالشعب السوري ، وحين يأسى لانقسام السوريين ، واغترارهم بالأحلام الكاذبة .
3 ) ملامح المدرسة الاتباعية في القصيدة :
— ارتباط الشاعر بقضايا أمته وبروز الاتجاه القومي .
— وحدة الوزن والقافية .
— وحدة البيت والموضوع ، وعدم اكتمال الوحدة العضوية .
— جزالة اللفظ وقوته .
— الصحة اللغوية .
— غلبة الخيال الجزئي التفسيري والصور التراثيّة ( التشبيه والاستعارة والكناية ) .
4 ) العاطفــة :
— عاطفة الشاعر قوميّة وهي في مطلع القصيدة حزينة باكية ، فيها كره للمستعمر ، وتمجيد للحرية والأحرار..وقد غلبت عليها النزعة العربيّة في تضامنه مع السوريين ، ونصيحته لهم .
البنــاء التعبــيري :
1 ) الأساليب الإنشائية والخبرية :
الأساليب الإنشائيّة :
— النداء في قوله : ( يادمشق ) وفي قوله : ( بني سورية ) ، حيث يستحضر صورة دمشق وأهلها ، وما أصابها وأصابهم . ويستحضر صورة الثائرين من أبناء سورية ، وقادتهم ، مصورا للنكبة ، ناصحا للثوار . فالنداء في ( يا دمشق ) يستحضر الاحتلال والفاجعة ، وفي ( بني سورية ) يستحضر الثورة والاستقلال .
— الزيادة في فعل الأمر ( اطّرحوا ) ، والتكرار في فعل الأمر ( ألقوا ) لتأكيد حرارة النصح وصدقه .
— الاستفهام في قوله ( ومن يسقي ويشرب بالمنايا ؟ ) للنفي وتعظيم الأحرار ، وإثارة حماستهم.
— الأساليب الخبرية :
* ( ودمع لا يكفكف يا دمشق ) لإظهار الأسى والإشفاق .
* ( تخال من الخرافة وهي صدق ) للتهويل .
* ( وللمستعمرين قلوب كالحجارة ) للذم والسخط .
* ( ويجمعنا إذا اختلفت بلاد ) للتقرير والتودد .
* ( الأبيات الثلاثة الأخيرة ) تجري مجرى الحكمة .. للحث على الكفاح ، وتحريك الهمة لتحرير الأوطان .
2 ) الدقـة والإيحـــاء :
– الزيادة في الأمـــر ( اطّرحوا ، وألقوا ) تفيد المبالغة .
– الزيادة في الماضي ( توالت ) تفيد التدرج ، وتتابع الأخبار .
– التدرج دليل على بقاء الحدث حيا ، وأنه موضع اهتمام الإعلاميين والإعلام .
– الزيادة في ( ألانوا ) تفيد المبالغة ، أي : بالغوا في لينهم .
– تغليب الفعل المضارع يوحي باستمرارية الحدث ، و برغبة الشاعر الملحة في تجاوز المأساة ، وفيه تأكيد على موقفه القومي ودعوته إلى الثورة والتحرر .
– التلوين في استخدام أدوات الشرط ، وأفعال الماضي والمضارع : ( إن ألانوا، إذا اختلفت ، فإن رمتم ، إذا الأحرار)؛ ولم يقل: ( وإن يلينوا ) بل استخدم الماضي ( ألانوا ) مع أن الوزن لا يختل ، ليدلل على خضوع المستعمر، واستجابته لمطالب الثائرين ( وقد عزلت الحكومة الفرنسية المندوب السامي " ساراي "..)
وفي قوله : ( فإن رمتم ) بدل : ( إن تروموا ) ، دليل على ثقته بوعي الثوار ، والقادة ، وقدرتهم على تجاوز الخلافات . وقوله: ( إذا الأحرار ) تدل على ما يُتيقن وقوعه وحصوله بالقطع .
– ( الأنباء ) بدل ( الأخبار ) دليل على ضخامة الأحداث ، لأن النبأ يكون للإخبار عما لا يعلمه السامع ؛ ولا يكون إلا في الأمر الجلل ، وليس ذلك في الخبر .
– قوله ( ودمع لا يكفكف يا دمشق – جلال الرزء عن وصف يدق – لحاها الله أنباء – بما يشق – روعة الأحداث – و: تخال من الخرافة وهي صدق ) تأكيد على أنها أنباء لا أخبار .
– كل (ولي) هو (نصير) ، ويطلق ( الولي ) على الفاعل والمفعول فيعني ( المُعين ) و(المُعان) ؛ ومعناه في النص ( أهل دمشق ومن تعاطف معهم ، وخف لنصرتهم )
– استخدام ( الهم ) بدل ( الغم ) أدق لأن ( الهم ) هو التفكير في إزالة المكروه ، واستجلاب المحبوب ؛ بينما ( الغم ) يوحي بالانقباض … ومع ( الهم ) إيجابية التفكير في دفع الضرر ، ومع ( الغم ) سلبية في السلوك ، وشلل في التفكير ، وفتور في الهمة .
– جرس كلمة ( دَيْن ) يوحي بإقبال الأحرار على بذل الدماء بنفوس راضية في سبيل الوطن.
– ( القتلى ) أدق إيحاء بما يريده الشاعر من ( الموتى ).. يؤكد ذلك استخدام الألفاظ الدالة على المعاني المرتبطة بهذا الإيحاء مثل ( القتلى – أجيال – الأسرى – فدى – وعتق ) .
3 ) التكـرار وتقـديم الجـار والمجـرور :
– تكرار الحرف في ( ولا يبني .. ولا يدني … ولا يحق ) يفيد العموم والشمول والاستغراق .
– تقديم الجار والمجرور في ( وللمستعمرين قلوب كالحجارة ) للتخصيص ، وقصر لقسوة القلوب على المستعمرين .
– التقديم في ( بكل يد مضرجة يدق ) يوحي بالإعزاز ، والتكريم ، والإكبار لليد الثائرة ؛ وفيه قصر صفة ( قرع الباب ) على الموصوف ( اليد المضرجة ) ..
– تكرارالفعل (القوا) يحقق إيقاعا موسيقيا يساير المعنى ويجسمه،ويحقق التوازن في العبارة .
– التقديم في ( وللأوطان في دم كل حر – وللحرية الحمراء باب – ففي القتلى لأجيال حياة – وفي الأسرى فدى يفيد القصر
– أكثر الشاعر من تقديم الجار والمجرور في الأبيات للحفاظ على الوزن مع مخالفة قواعد النحو في مثل قوله : ( سلام من صبا بردى أرق ) حيث لا يجوز تقديم ( مِن ) ومجرورها على اسم التفضيل إلا إذا كان المجرور بها اسم استفهام أو مضافا إلى اسم استفهام . ومن مثل ذلك قوله ( عن وصف – عنكم ) ..
4) المحسنات البديعية :
— الطباق والمقابلة : المقابلة بين ثنائية الموت والحياة : تقسم ألفاظ النص إلى مجموعتين : مجموعة المأساة (الذل أو الموت ) وألفاظها : ( دمع ، رزء ، روعة الأحداث المستعمرين ، الأماني ، الأحلام ، الهم ، لايكفكف ، يشق ، لا ترق ، اختلفت ..)
ومجموعة تجاوز المأساة ( الحياة والحرية ) وألفاظها : ( سلام ، الولي ، نعيم الدهر، الأحرار، حر ، الحرية ، يد مضرجة ، عتق ، اطرحوا ، ألقوا ، رمتم ، يدني ، يبني ، يسقي ، يشرب ، يدق ، يحق ) .
** الطباق بين ( الخرافة والصدق ) ويوضح هول الأحداث وما أثارته من رعب ، وما خلفته من خراب يفوق قدرة العقل والخيال على التصور .
** الطباق بين ( ألانوا ولا ترق ) يوضح حقيقة المستعمر ودخيلة نفسه المخادعة .
** الطباق بين (اختلفت وغير مختلف) ويوضح دور اللغة في جمع العرب ، وإيمان الشاعر بالوحدة .
** الطباق بين ( يسقي ويشرب ) وبين ( لم يسقوا ويسقوا ) ، لتوضيح الفرق بين نفسيتين :
نفسية المستعمر الحريص على إزهاق الأرواح ، ونفسية المناضل الحريص على الحرية أكثر من حرصه على قتل المستعمر .
— يؤكد التباين بين النفسيتين تقديم الفعل المبني للمجهول على الفعل المبني للمعلوم ( يُسْقَوْا ويَسْقُوا ) والمجانسة بينهما .
** الطباق بين (موت وحياة) وبين (نعيم وشقاء) وبين (القتلى وحياة) وبين(الأسرى وعتق).
5 ) أثر العاطفة في التعبـير:
يظهر أثر العاطفة في الألفاظ الملائمة كتنكير ( حر ، يد ، دين ) للتعظيم ، وتنكير ( قلوب ) للتحقير ؛ وقوله : ( يشرب بالمنايا ) يوحي بحب الاستشهاد ، والحرص على الموت الذي يهب الحياة ؛ وفي استخدام ( يحق ) بَعد ( يدني ) دقة ومراعاة للترتيب الطبيعي ؛ وفي لفظ ( الحقوق ) إيحاء بأن الحرية حق طبيعي مشروع للشعوب ، وهبة من الله ، لا منحة من المخلوق .
البنـاء التصـــويري :
أ ) التشبيــــه :
** في قوله: ( سلام من صبا بردى أرق ) .. فالسلام الذي يفوق صبا بردى رقة يعكس تألم الشاعر لما أصاب دمشق وأهلها ، وأمله في أن تتجاوز المدينة وأهلها المصيبة التي نزلت بهم .
** وفي قوله ( قلوب كالحجارة لا ترق ) تشبيه قلوب المستعمرين بالحجارة ، وفيه تقبيح للمستعمرين ، وبيان لهمجيتهم ، وكشف لحقيقتهم ، ويأس من استجابتهم لدواعي الحق والإنسانية .
** وهذه النقلة النفسية من الأسى والحب والأمل إلى الكره والبغض وانقطاع الأمل ، دليل على توتر الشاعر الانفعالي …
ب ) الاسـتعارة :
** ( الاستعارة التصريحية ) : في قوله : ( وقفتم بين موت أو حياة ) وفي قوله ( ففي القتلى لأجيال حياة ) استعار الحياة للحرية ، والموت للعبودية ؛ وفي ذلك دلالة على المعاني المرغوب فيها ، والمعاني المرغوب عنها .
** ( الاستعارة التصريحية ) في قوله : ( ودَيْن مستحق ) استعار الدَّيْن المستحق لفضل الوطن على أبنائه .
** ( الاستعارة المكنية ) : في قوله : ( لحاها الله أنباء ) شبه الأنباء الذميمة المفجعة بشجرة مقشورة اللحاء ، وحذف المشبه به ( الشجرة ) ، وأتى بشيء من لوازمه ( لحاها ) على سبيل الاستعارة المكنية .
** ( الاستعارة المكنية ) : في قوله : ( ومن يسقي ويشرب بالمنايا ؟ ) شبه المنايا بحوض يرد عليه المتقاتلون ، أو كأس يتبادلها الأحرار فدى الوطن . وفي هذه الصورة تجسيم وإيحاء بالحرص على الموت في سبيل الحياة الحرة الكريمة .
** ( الاستعارة المكنية ) : في قوله : ( ولا يبني الممالك كالضحايا ) شبه الممالك ببناء يقوم على جثث الشهداء .. وفي ذلك إيحاء بضرورة الكفاح ، وبيان لأهميته ، واطمئنان إلى عاقبته .
— والاستعارات في الأبيات تقوم على التشخيص والتجسيم .
حـ ) الكنـــاية : في قوله : ( الحرية الحمراء ) ، وفي قوله : ( يد مضرجة ) كنايتان عن الكفاح والنضال ، وما يبذل في سبيل الحرية من دماء .
التصــوير الكلـي : في قوله :
( وللحــرية الحمـــراء باب بكل يــد مضـرجـة يــدق)
**ونلمح في هذه الصؤرة اللون في : ( الحمراء ، مضرجة ) ، والصوت والحركة في : ( يدق)
— وظهرت من خلال التصوير الكلي صورة جزئية ساعدت على بث الروح الشعري في الصورة الكلية ، حيث شبه الحرية بحصن منيع له باب مغلق لا يفتح إلا بالبذل والتضحية ، وذلك على سبيل الاستعارة المكنية .
البنـــاء المـوسـيقي:
1 ) الموسيقا الخارجية :
** القصيدة من بحر الوافر ( مفاعلتن ، مفاعلتن ، فعولن ) في كل شطر .
** لجأ الشاعر إلى الضرورات الشعرية لإقامة الوزن ، ومنها :
– تقديم الجار والمجرور ( من صبا بردى ) على اسم التفضيل ( أرق ) .
– استعمال ( أو ) موضع ( الواو ) في قوله ( وقفتم بين موت أوحياة ) للتعبير عن الدهشة والشك في تردد الثوار.
– استعمال ( الباء ) موضع ( ِمن ) في قوله ( ويشرب بالمنايا ) .
– استعمال الحرف اسما كورود (الكاف) فاعلا بمعنى (مثل) في قوله ( ولا يبني الممالك كالضحايا) .
– إشباع الحركة ، ونشوء المــد عن ذلك في ضمة ( فدى لهمُو ) .
– إنقاص الحركة ونشوء السكون عن ذلك في هاء ( وهي صدق ) .
** القافية في القصيدة مطلقة ( رويها متحرك ) ورويها القاف المضمومة . والروي هنا مناسب لجو القصيدة بما فيه من قلقلة تناسب قلق الشاعر ، وتعبير عن المشاعر المكبوتة من ألم وحنق .
** القافية متمكنة في معظم الأحيان مثل : " دمشق " ، وقوافي الأبيات : 2 ، 3 ، 4 ، 7 ، 14 . ومن القوافي غير المتمكنة : " لا ترق " ، وقوافي الأبيات : 6 ، 8 ، 13 .
2 ) الموسـيقا الـداخليـة :
— تكرار الحرف : كتكرار النون في قوله : ( نصحت ونحن مختلفون دارًا ولكن كلنا ) .
— تكرار الجملة : كقوله : ( ألقوا عنكم الأحلام ألقوا ) .
— حسن التقسيم ( توزيع العبارات توزيعا موسيقيا متناسقا ) ، كقوله : ( يد سلفت ، ودين مستحق ) ، وقوله : ( ففي القتلى .. وفي الأسرى ..فدى .. وعتق ) .
— التصريع ( اتفاق التفعيلتين في نهايتي شطري البيت " العروض والضرب " في الوزن والروي والإعراب ) ومثاله في مطلع القصيدة :
( سلام من صبـا بردى أرقُّ ودمـع لا يكفكف يا دمشـقُ )
— رد العجز على الصدر ( تكرار الكلمة في صدر البيت وعجزه ) ، لتقوية القافية ، وتفخيم الموسيقا ، ومثال ذلك قوله :
ومن ( يسقي ) ويشرب بالمنايا إذا الأحرارلم ( يسقوا ويسقوا ) ؟
— الجناس : في قوله ( يبني ، يدني ) ويعطي جرسا موسيقيا جميل الوقع على السمع ..
ومثله في قوله : ( يسقوا ويسقوا ).
— الطباق : طباق السلب ، في قوله : ( لم يسقوا ويسقوا ) ، ويوضح التباين بين نفسيتين ، أو بين طبيعتين أخلاقا ودوافع وغايات .
انتهى ،، نكبة دمشق ،، ، ويليه : ،، عمر وخالد ،، . ///
المدرسة الاتباعيّة ( الإحيائيّة ) – الاتجاه الإسلاميّ
عمــــــر وخـــــــــــــالـــــد
حافظ إبراهيم
1) مضمون القصيــدة :
* تتحدث الأبيات عن أمجاد خالد العسكرية :
– ما تفتقت عنه من خطط .
– ما كان لها من تأثير على الأعداء.
– ما أثمرت من فتوح.
– ما كان وراءها من دوافع.
– ما كان لها من أثر في انتشار الدعوة.
* وتتحدث عن قرار العزل :
– كيف استقبله خالد.
– ما كان أثره عليه.
– وما كان صداه في نفس خالد وفي نفوس المسلمين.
– وهل ترك أثرا على علاقته بالخليفة ، وثقته فيه.
* وترسم مشهدا مؤثرا لنهاية البطل : يلبي نداء ربه ، ونساء قومه يبكينه ، ويحس الخليفة والمسلمون بفقده .
* ويناقش " حافظ إبراهيم " قضية العزل ، ويدفع عن " عمر " – رضي الله عنه – تهمة الظلم ، واتباع الهوى بالحجج العقلية والنقلية : ( جعل خالد إنفاذ وصيته إلى عمر . وبرر عمر عزله خالدا في رسائل إلى الأمصار بالخوف على المسلمين من الفتنة بعد أن افتتنوا بخالد ).
2 ) سمات الأفكار في المطولة :
— خلوها من المعاني الفلسفية التي تجهد العقل والفكر.
— تعليل الأفكار : ( كأن الشاعر يفسر حوادث التاريخ ، ويناقش مختلف الآراء ، ثم يخرج منها برأي قاطع :
( لـذلك أوصى بأولاد لـه عمرا لما دعاه إلى الفردوس داعيها )
— الترتيب المنطقي في عرض الأفكار: ( المقدمات تؤدي إلى النتائج ، والمعاني الأساسية قبل الفرعية .)
— الترابط المنطقي : ( المعاني متماسكة مترابطة : البيت الذي يسبق الجزء المقرر يمهد فيه الشاعر لاتخاذ قرار العزل تمهيدا ذكيا ، ناجحا :
( وتلك قـوة نفس لو أراد لها شـُمَّ الجبال لما قرت رواسيها )
3 ) العــــاطفـــة : عاطفة الإعجاب بعمر وخالد ، والإجلال لعمر وخالد . ويفيض الجانب الإيماني في شخصية خالد ، والعاطفة الدينية الصادقة على الأبيات ألفاظا وتراكيب وأخيلة وأفكارا .
— انظر الإشارة إلى طبيعة الفتح الإسلامي من خلال العاطفة في قوله :
( ولم يجز بلدة إلا سمعت بها الله أكبر تدوي في نواحيها )
البنــــــــاء التعبــــــيري :
1 ) الـدقة اللغـويـة والإيحـاء :
— قوله ( مسـددة ) يوحي بتأثير خالد في أعدائه بخططه وضعا وتنفيذا . وأن خططه صائبة قولا وفعلا ، وأنه بارع في التخطيط والتنفيذ.
— قوله ( يرمي الأعادي ) يناسبه ( التسديد ) وهو دقة التصويب . ويذكر بقوله – صلى الله عليه وسلم – : " ألا إن القوة الرمي ، ألا إن القوة الرمي ".
— قوله ( خيل الله ) أدق من القول ( خيل العرب ) ويوحي بالخير والبركة وحسن الطالع .
— قوله ( سل قاهر الفرس ) أدق وأكثر إيحاء من ( هازم الفرس ، أو : غالب الفرس ) .
— وكذلك قوله ( وهل أغنى تواليها ) بدل ( تتاليها ) .
— وقوله ( أتاه أمر أبي حفص فقبله ) بدل ( فنفذه ، فعارضه ، فناقشه ) .
— وقوله ( يقوده حبشي ) بدل ( يقوده ابن رباح ) .
— وقوله ( ما عرته شكوك ) بدل ( ما عرته ظنون ) .
— وقوله ( أن صاحبه ) بدل ( أن عازله ) .
— وفي قوله ( فر قارحها ) إيحاء بقوة خالد ، وأثره في أعدائه .
— وفي قوله ( طاش راميها ) إيحاء باضطراب الرامي قلبا ، وعقلا ، ويدا .
— والبيت الرابع فيه براعة في النظم ، وعذوبة في النغم ، وأسلوب قصر في كلا الشطرين ، وحسن تقسيم ، تتناسب جميعا مع الدلالة الإيحائية لألفاظ البيت .
— والتعبير عن ( عمر ) بـ ( أبي حفص ) ، وهي كنية ( عمر ) وكنية الأسد ، يوحي بما يتطلبه موقف العزل من شجاعة أدبية ومادية لا يملكها إلا من كان كالأسد قوة إرادة وعزيمة .
— وقوله ( صاحبه ) يوحي أن قرار العزل لم يترك في نفس ( خالد ) أثرا سيئا ، ولم يغير من نظرته إلى (عمر ) ، فقد أطاع الأمر مع حفظه الود لصاحبه ( عمر ) .
— وقوله ( خليفته ) تشير إلى جهة القرار وواجب المسلمين نحوها ، والجهة التي صدر إليها ، وما لها من حق التقدير من الخلافة وواجب السمع والطاعة للخليفة .
— وكلمة ( فاروق ) توحي بنفي تهمة الظلم ، وقالة السوء ، واتباع الهوى ، والشبهة عن ( عمر ) { وقد سماه الرسول – صلى الله عليه وسلم -الفاروق ، لتفريقه بين الحق والباطل } .- انظر قوله:
( إ ن الذي برأ الفاروق نزهه عن النقائص والأغراض تنزيها )
2 ) التقــديم والتــوكيد :
— أكثر ( حافظ ) من استخدام الجمل الفعلية الطويلة المثبتة ( أي : غير المنفية ) ؛ وجاء قليلها منفيا .
— قدم المفعول به على الفاعل في قوله ( كما يقبل آي الله تاليها ) ، وهو أسلوب قصر لإعطاء أهمية للمتقدم .
— فصل بين ركني الجملة بالجار والمجرور في مثل قوله ( قد عقدت باليمن والنصر والبشرى نواصيها) ، وقوله ( لما دعاه إلى الفردوس داعيها ) ، للتخصيص وبيان الأهمية .
— استخدم ( قد ) مع الفعل الماضي كقوله ( قد عقدت – قد سالت – قد وجه – قد كان ..) لإفادة التحقيق ، وإزالة تردد المخاطب .
— واستخدم ( أن – قد – والمفعول المطلق ) في قوله :
( فخالد كان يدري أنّ صاحبه قد وجه النفس نحو الله توجيها ) ،
لإزالة إنكار المخاطب ، وإزالة جحوده وتوهمه اتباع ( عمر) الهوى في قرار العزل .
3 ) المصـاحبـات اللغـويــة : ( ومعناها : ميل الألفاظ إلى اصطحاب ألفاظ أخرى ، لارتباط بعضها ببعض ، أو لأ نها من محيط لغوي واحد ) ، مثــل : ( موقدها – صاليها ) – ( آي الله – تاليها ) – ( مستريح النفس – هاديها ) – ( سيد مخزوم – فارسها ) – ( يوم النزال إذا – نادى مناديها ) – ( مصرعه – نساء – تبكي بواكيها ) ؛ فلفظة ( موقدها ) تستدعي ( صاليها ) وترتبط بها ، وذكر ( الآية القرآنية ) يستدعي ( التلاوة ) ، واللفظ ( واقع ) يستدعي ( رمى ) ، وكلمة ( راميها ) مرتبطة بكلمة ( رمى ) وهي من محيط لغوي واحد ، وكلمة ( الروم ) تذكر بكلمة ( الفرس) ، و (واقع الروم ) ترتبط بـ( رمى الفرس ) ، مع دلالتها على دراية خالد بالعدو وأسلوبه : فيختار الأسلوب المناسب للمواجهة .
4 ) الأسـاليب الخـبريــة والإ نشـائيـة :
* يميل الشاعر إلى استخدام الجمل الخبرية أكثر من الجمل الإنشائية .
— الأســاليب الخـــبرية : تفيد التقدير والثناء .
— الأســـاليب الإنشــــائية :
* الاستفهـــام : في قوله ( هل شفعت له الفتوح ؟ ) للنفي .
* تكرار الاستفهام: في قوله ( وهل أغنى تواليها ؟ ) لتجديد النفي وتقويته .
* الأمـــــــر : في قوله: ( فاعجب لسيد مخزوم ) للتعبير عن التأثر بالأمر العظيم .
* النــــداء : في قوله ( وقيل خالفت يا فاروق صاحبنا ) لتخفيف حدة العتاب ، وتلطيف لهجة الخطاب . — واستخدام ( يـا ) لمناداة القريب يدل على علو منزلة المنادى .
البنـــــاء التصـــويــــري :
1 ) الكنــــاية : ( وهي كثيرة في النص )
— ( سل قاهر الفرس والرومان ) ، ( سيد مخزوم وفارسها ) : كنايتان عن " خالد " – رضي الله عنه – وتشير الأولى إلى عبقريته الحربية ، والثانية تشير إلى مكانته الاجتماعية.
— ( في سبيل الله) ، مكررةً ، كناية عن إخلاص النية في الجهاد ، وتوضح الجانب الإيماني القوي في شخصية خالد .
— ( يقوده حبشي في عمامته ) كناية عن أداء حق السمع والطاعة للخليفة .
— ( ولا تحرك مخزوم عواليها ) كناية عن الإذعان ، وعدم التمرد على الخليفة لنصرة "خالد ".
2 ) التشـــبيه : — في قوله :
( أتاه أمر أبي حفص فقبله كما يقبل آي الله تاليها ) ، تشبيه تمثيلي .
3 ) الاســـتعارة :
— في قوله ( يرمي الأعادي بآراء مسددة ) استعارة مكنية : فقد شبه خطة ( خالد ) في إحكامها ، وقوتها ، وقوة تأثيرها في العدو بالسهام النافذة ، وحذف المشبه به وأتى بشيء من لوازمه ( يرمي ) على سبيل الاستعارة المكنية .
— وفي قوله ( وبالفوارس قد سالت مذاكيها ) استعارة مكنية: فقد شبه الخيل في اندفاعها بالسيول المتدفقة ، وحذف المشبه به ، وأتى بشيء من لوازمه ( سالت ) على سبيل الاستعارة المكنية .
— وفي قوله ( عشرون موقعة مرت محجلة ) استعارة مكنية : فقد شبه المواقع بالخيول المحجلة ، وحذف المشبه به ، وأتى بشيء من لوازمه (محجلة) على سبيل الاستعارة المكنية .
— وفي قوله ( بنان الفتح تحصيها ) استعارة مكنية : فقد شبه الفتح ( وهو معنوي ) بالإنسان يحصي ويعد ، وحذف المشبه به ، وأتى بشيء من لوازمه ( بنان ) على سبيل الاستعارة المكنية .
— وفي قوله ( هل شفعت له الفتوح ) استعارة مكنية : فقد شبه الفتوح بإنسان يتوسط لـ " خالد " عند " عمر " ، وحذف المشبه به ، وأتى بشيء من لوازمه ( شفعت ) على سبيل الاستعارة المكنية .
— وفي قوله ( في سبيل الله موقدها ) استعارة مكنية : فقد شبه الحرب بنار مشتعلة .. وهي صورة تقليدية يبررها الباعث الإيماني ( في سبيل الله ) ، ويذكر بقول " زهير" في الحرب :
( متى تبعثوها تبعثوها ذميمة وتضر إذا ضريتموها فتضرم ) .
— وفي قوله ( فـر قارحها ) صورة تقليدية، وهي استعارة تصريحية: فقد شبه فارس الروم بأسد مذعور ، وحذف المشبه ( الفارس ) على سبيل الاستعارة التصريحية .
البنــــاء الموســـــيقي :
1 ) الموســيقا الخـارجيـة : ( الوزن والقافية )
— حافظ الشاعر على وحدة الوزن والقافية .
— البحر هو بحر ( البسيط ) ، ويتكون من ثماني تفعيلات :
مستفعلن ، فاعلن ، مستفعلن ، فعلن مستفعلن ، فاعلن ، مستفعلن ، فعلن
— والقافية سهلة ، مناسبة للموقف ، بناها على حرف الهاء الممدودة بالألف ، يصاحب النطق بها اندفاع الهواء من الصدر ، وتحتاج هذه القافية إلى التقديم والتأخير كثيرا ، فيأتي ضمير الغائب عائدا على ما قبله .
والقافية مطلقة ( رويها متحرك ) ، ومتمكنة ، إلا نادرا .
** في المطولة كثير من الضرورات الشعرية للحفاظ على الموسيقا ، منهـــا :
— تسكين الياء في حال النصب ، كقوله ( يرمي الأعادي – ولا تحرك مخزوم عواليــها – أن تبكي بواكيها – أعطى القوس باريــها ) .
— تسهيل الهمزة مع تسكين الياء في قوله ( مستريح النفس هاديــها ) .
— صرف الممنوع من الصرف ، مثل ( لذاك أوصى بأولاد له عمرًا ) وقوله ( وما نهى عمرٌ في يوم مصرعه) .
— منع المصروف من الصرف ، كقوله ( نساء مخزومَ أن تبكي بواكيها ) .
2 ) الموسـيقا الــداخليـة :
— شيوع حرف الراء والدال ، وهما حرفا جهر وتفخيم ، يناسبان جو المعركة والبطولة ، ويشيعان نغمة قوية ، وإيقاعا مؤثرا .
— التصريع في الأبيات : الرابع ، والسابع ، والعاشر ( قارحها – راميها ، موقدها – صاليها ، فارسها – مناديها ).
— التكرار اللفظي ، كتكرار( في سبيل الله ) و( تبكي – بواكيها ) و( عشرون – عشر ) و ( افتنان و فتنة ) و( دعاه – داعيها ) …
— حسن التقسيم والتوازن الموسيقي بين شطري البيت ، والإيقاع الموسيقي المؤثر ، مثل شطري البيت الرابع ، وشطري البيت السابع . ومثاله في البيت الأول : ( هل شفعت له الفتوح – وهل أغنى تواليها ) ، ومثاله في البيت الثاني : ( غزا ، فأبلى ) .
*** المـــلاحـــم : هي منظومات شعرية ( قصة تحكي شعرا – بطولة ما ) ، تتميز بالخصائص الآتية :
— الإسراف في الطول
— الموضوعية
— الوحدة
— القصصية
— الحديث عن الحروب
— إطلاق العنان للخيال
— الجمع بين البطولة والخرافة
— الجمع بين التاريخ والأسطورة
— وثنيّة التصوّر والاعتقاد
** لا تتفق الملاحم وروح الشاعر المسلم وعقيدته ، ولا تتلاءم وطبيعة العصر الذي يعيش فيه ونبل الغاية التي يرمي إليها : فالإسلام حرب على الوثنية ، وعلى الأسطورة . والنهضة الإسلامية التي يدعو إليها ( حافظ ) في " عمريته " ، والأحداث التاريخية التي يعرضها ، والعصر الحديث الذي يعيشه ، كل ذلك لا مكان للخرافة فيه .
*** مـطــولــة لا مـلـحـمـة :
أدرك ( حافظ ) كما أدرك ( شوقي ) في مطولته " كبار الحوادث بوادي النيل " ، و ( أحمد محرم ) في : " الإلياذة الإسلامية " ، أن الملحمة :1 – فقدت بريقها في العالم الغربي 2 – ولا يمكن أن تزدهر في العالم العربي 3 – وأن الأقرب إلى : – إمكاناته الشعرية – وإلى جمهوره : القصيدة المطولة.
و" العمرية " كغيرها من المطولات ، محاولة للالتحام بالحضارة العربية الإسلامية ، وضرب من استلهام التاريخ ، يسقط الشاعر من خلالها أمورا كثيرة على الواقع ، والتفاتة طبيعية إلى ما يمكن تسميته بالنفس الملحمي ، لا أصول الملحمة ، ورمز شعري إلى أن ضعف الأمة في ابتعادها عن الإسلام .
** الخصائص الفنية للمطولة :
— الموضوع التاريخي الإسلامي ( ترتبط بفترات التوهج الحضاري والروحي ).
— اتخاذ القصة قالبا لها دون الالتزام بخصائص القصة الفنية .
— سوق العبرة والعظة والتذكير بماضي الأمة المجيد لبعث النخوة في النفوس وتجديد روح الكفاح.
— الطـــول المســرف.
— عـدم التأنق في الصياغة .
انتهى ،، عمر وخالد ،، ، ويليه : ،، إلى طغاة العالم ،، … ///
المدرسة الابتداعية ( الرومانسية ) – ( الاتجاه الوطني والسياسي )
إلــى طغــــاة العـــــــالم
أبو القاسم الشابّي
** البنـاء الفكـري والشعوري :
1 ) مضمون القصيدة :
— من الشعر الوطني الذي يدور حول قضايا الوطن ومشكلاته السياسية ..
— يحكي النص قصة المستعمرين مع الشعوب في مراحلها الثلاث :
** مرحلة الاستضعاف وفرض الهيمنة.
** مرحلة الكمون والتربص ، وتجميع الطاقات .
** مرحلة المحاسبة والقصاص ، والثورة على المستعمر .
— في المقطع الأول : ( من 1 – 3 ) يبرز الشاعر ملامح المستعمر ، ويفضح جرائمه : فهو طاغية ، ظالم ، مستبد ، مطبوع على الشر، ميال إلى التخريب ، يسلب الشعب حقوقه ، ويعشق الجهل والظلام ، يعادي الحياة ؛ قاسي القلب ، متحجر المشاعر ، يسخر من آلام الضعفاء ، ويريق الدماء متلذذا بها ، ويشوه معالم الجمال ، وينشر الحزن والشقاء .
— وفي المقطع الثاني : ( 4 – 6 ) يتحدث الشاعر عن هدوء الشعب ، واستكانته ، وانخداع المستعمر بهذا الهدوء الظاهري ، ولا يدري أن الشعب يجمع طاقاته لينقض حين تسنح له الفرصة ؛ فهدوء الشعب هدوء يسبق العاصفة ، والثورة الكامنة كنارٍ تحت الرماد لا بد أن تتوقد حين يحين موعد القصاص .
— في المقطع الثالث : ( 7 – 9 ) يشمخ الشاعر أمام الطغاة ، يُقَرِّعهم ، ويهددهم ، وينذرهم أن يوم الثأر قادم حين يندفع الشعب في ثورة عاصفة جارفة تجتث المستعمر من أصوله .
2 ) ســمات الأفكــار في النص :
** الجدة والابتكــــار : الموضوع السياسي النضالي ، والمسألة الوطنية ، والتحريض على المستعمر .
** الوضــــوح : فهي سهلة تصل إلى المتلقي بيسر ، ودون عناء ، خاصة أن الشاعر يخاطب الجماهير العادية .
** التسلسل المنطقي : ترتبط أجزاء الأفكار بعلاقات السبب والنتيجة : فمع البداية يكون البطش ، والفتك ، وبالبطش يكون الاستسلام ، ولكن إلى حين ، ويركن الطاغية إلى قوته الغاشمة ، ليفاجأ بالثورة العارمة تقضي عليه .
** قــوة المنطــق والقــدرة علــى الإقناع : فتاريخ الاستعمار عار وشنار ، ودماء ودموع ، وجرائم المستعمر وليدة ظلمه وجبروته ، ودليل وحشيته وعدوانيته ، وسبب عقابه وسوء عاقبته .. وهدوء الشعب تدبير إلى حين ، وصحو تتبعه العاصفة .. ودماء الشهداء ، ودموع الأبرياء وقود الثورة الشعبية الجارفة ، والمستعمر قد حكم على نفسه بنفسه ، وخط لنفسه سطور نهايته .
** التصوير من خلال الوجدان : وجدان الجماعة ، ووجدان الفرد . فالشاعر يتحدث عن آلام شعبه وثورته من خلال ذاته ، وتجربته الشخصية .
** الطابع الإنساني : يؤكد هذا الطابع أن النص لا ذكر فيه لتونس ، مع أنها وطن الشاعر ، لذا اتسعت دعوته لكل وطن مقيد مغلوب على أمره .
3 ) مـلامح الـمدرسـة الـرومانسية في القصيدة :
* الذاتية ، وعمق المعاناة ، وصدق التجربة .
* الاهتمام بالخيال ، والولع بالطبيعة التي يستمد منها صوره .
* اللغة المستمدة من الطبيعة (الرومانسية التعبيرية) مثل سحر الوجود – الربيع – صحو الفضاء – رباه – زهور الأمل – قصف الرعود – شوك الأسى ..)
* نغمة الحزن والأسى ( الشاعر متألم ، ساخط على المستعمر ) .
* تنويع القافية .
* الوحدة العضوية .
* النزعة الإنسانية .
4 ) العــــاطفــة :
وطنية إنسانية فيها الإشفاق والألم لما يصيب الشعب ، والثقة بقدرته على تذليل الصعاب ، وتحقيق النصر ، والنقمة على المستعمر، والسخرية منه ، والتمجيد للأحرار …
5 ) الـــوحدة العضـــويـة :
وحدة القصيدة العضوية مُحْكَمَة ، تترابط الأبيات فكرا ووجدانا : أجزاؤها متحدة ، وتراكيبها قوية ، لا نفور في أبياتها ، ولا تشتت في معانيها. لا تستطيع تقديم بيت أو تاخيره أو حذفه ، وذلك : نتيجة لتحقق الوحدة الفكرية والوحدة النفسية .
** البنـــاء التعبـــــيري :
1 – أدوات الخطــاب :
* ( ألا ) الاستفتاحية .
* النداء ( أيها الظالم ) .
* ضمير الخطاب " الكاف " في ( كفك – يخدعنك .. ) .
* الأمـر في ( تأمل ) ، وفي ( اسم فعل الأمر " حذار " ) ، وفي (المصدر المؤكِّد لاسم الفعل " رويدك " ) .
** ضمير المخاطب في خاتمة القصيدة ، علامة دالة على تحول المستعمر من فاعل للحدث ومصدر للشقاء : (سخرت – سرت – تشوه – تبذر- حصدت – رويت – أشربت ) ؛ حيث يسخر ، ويسير ، ويشوه ، ويبذر ، ويحصد ، ويشرب ؛ إلى مشلول الإرادة ، خائر القوى ، يقع عليه الفعل : ( سيجرفك – يأكلك .. ) ، فينقلب الضعف قوة ، والقوة ضعفا ..
** والخطاب متكرر في بداية كل مقطع ، حاد اللهجة ، منوع الأدوات والأساليب ، يؤكد عنف المواجهة :
— المقطع الأول : ( ألا ) لإثارة الانتباه والاستفتاح .
( أيها الظالم ) نداء للذم والسخط .
— المقطع الثاني : ( رويدك ) مصدر مؤكد لفعل الأمر .
( لا يخدعنك ) نهي .
( حـذار ) أمــر . – وتفيد جميعا السخرية والتحذير والوعيد
والتهديد .
( تحت الرماد اللهيب ) أسلوب خبري .
( ومن يبذر الشوك يجن الجراح ) أسلوب شرط ..
— المقطع الثالث : ( تأمل ) أمر للتوبيخ والتقريع .
( أنى حصدت ) استفهام للإنكار ، وبيان أن ما كان لا ينبغي أن يكون ،
وما كان للمستعمر أن يفعله ..
( سيجرفك السيل – ويأكلك العاصف المشتعل ) أسلوبان خبريان
للتهديد بعنف المحاسبة ..
2 – الرمــز والإيحــاء :
— ( السيل ) رمز لقوة الشعب وفاعلية المقاومة ، والرغبة في الحرية ، والعزم على الظفر .
— ( الشوك ) رمز لمعاناة الشعوب مما يعترض نهضتها وكفاحها من عقبات وصعاب .
— ( الوجود ) رمز الحياة الواسعة الحرة وما فيها من حق وخير وجمال .
— ( الزهور ) رمز للشباب ، والمستقبل ، والأماني العذاب ، والحياة الهنيئة .
— ( الظلام ) في قوله ( حبيب الظلام ) رمز للتخلف والجهل والقهر.( وهو رمز شر هنا ) — ( الظلام ) في قوله ( هول الظلام ) رمز لعتو الثورة التي تفقد المستعمر الرؤية ..وتنذره بسوء المصير .. ( وهو رمز خير هنا ) . .
— ( الربيع ) في قوله ( لا يخدعنك الربيع ) رمز القوة والغرور ، والهيمنة [ في نظر المستعمر ] ؛ ورمز الهدوء والاسترخاء والراحة ، والخضوع ، وتحين الفرص [ كما يراها الشعب ] ..
— ( مخضوبة ) توحي بساديّة المستعمر ، حيث يرى في الدماء زينة ..
— ( تأمل ) توحي بطيش المستعمر ، وقصر نظره ، وضيق أفقه .
— ( هنالك ) توحي باتساع نطاق العدوان .
— ( ثمل ) توحي بالامتلاء ووصول الأمر إلى حد لا مزيد عليه ، وتوحي بنشوة ( التراب ) الوطن ، لاستبشاره بقرب الثورة ، وساعة الخلاص .
— ( السين ) في ( سيجرفك ) تقوي الإيحاء السابق ، وتوحي بسرعة الشروع في الرد ، وعنفه ، وهوله .
— ( حتى ثمل ) : " حتى " حرف غاية وابتداء ، يوحي أن ما يعنيه في قوله ( سيجرفك السيل ) غاية ونهاية لما حدث من قبل : ( سخرت – وسرت تشوه – وتبذر – حصدت رؤوس الورى – رويت بالدم – أشربته الدمع ..)
3 ) أثـر العـاطفـة فـي التعبــير :
** الألفاظ تبرز أحاسيس الشاعر :
— الألفاظ : ( الدمع – الدم – الجراح – أنات – الأسى ) مشحونة بالكآبة ، وتعبر عن الإشفاق ، والتحسر .
— الألفاظ : ( الظالم – المستبد – حبيب الظلام – عدو الحياة – سخرت – تشوه – تبذر شوك الأسى – تأمل – حصدت رؤوس الورى – رويت – أشربته الدمع ) مشحونة بالتوبيخ والتقريع ، وتعبر عن البغض والاحتقار .
— الألفاظ : ( هول الظلام – قصف الرعود – عصف الرياح – سيجرفك السيل – ويأكلك العاصف المشتعل ) استوحت من الطبيعة عناصر القوة ، ومظاهر الرعب ، وتعبر عن تمجيد الشعب وتضخيم الثورة ..
4 ) المحســنات البـديعـية :
— الطبـــاق بين ( حبيب الظلام ) و ( عدو الحياة ) يوحي بحرص الطغاة على تخريب العالم وتدمير الحياة .
— الجناس بين ( قصف ) و( عصف ) فيه موسيقا صاخبة ورنين قوي سريع كقوة الرعد وسرعة الريح ؛ ويبرز حدة الانفعال وفورة الغضب .
— الجناس بين ( الدم ) و ( الدمع ) يصدر رنة توحي بالأسى .
— الجناس بين ( الظالم ) و ( الظلام ) ، بموسيقاه وإيقاعه ، يوحي أن الظالم وضع نهايته بيده ، لأن الظلم ظلمات على الظالم .
** البنــاء التـصــــويـــري :
1 — التصــوير الجــزئـي :
أ ) التشــــبيه : يقوم أكثره على إضافة المشبه به إلى المشبه :
— ( شوك الأسى ) يوحي بعمق الألم وشدة المعاناة .
— ( سحر الوجود ) يوحي بأثر الوجود الجميل في عين من يراه ، وسرعة ميل القلب إليه
لجماله وفتنته .
— ( زهور الأمل ) يوحي بشراسة المستعمر وجبنه ، فقد تجاوز القتل والتدمير ، إلى
مطاردة الأحلام ، ومصادرة أماني الشعب في الحرية والكرامة .
— ( سيل الدماء ) يوحي بالتحول في أسلوب المواجهة إلى المقاومة ، وبروعة الفداء ، وعظم التضحية .
— ( التشبيه الضمني بين البيتين : الرابع والخامس ، وصدر البيت السادس ) ؛ فقد شبه الربيع والصحو والهدوء الظاهري الذي يخفي تحته ثورة مدمرة ، وظلاما ورعودا ورياحا ، بالرماد الذي يخفي تحته لهيبا .. ويقدم هذا التشبيه دليلا حسيا على إمكان ولادة الثورة الشعبية في الوقت الذي تشتد فيه سطوة المستعمر .. ويفسـّـر النكسة والوثبة في تحرك الشعب ، والتخلف والنهضة في حركة المجتمع .
ب ) الكنـــــاية :
— ( سخرت بأنات .. ) كناية عن تحجر المشاعر .
— ( كفك مخضوبة ) كناية عن كثرة إراقة الدماء ، وقسوة القلب .
— ( صحو الفضاء ) كناية عن مواتاة الظروف ..
** والكناية تقدم المعاني في صور حسية ، وتعرض الحقائق مصحوبة بالدليل ..
حـ ) الاســــتعارة :
— ( الظلام ) استعارة تصريحية للتخلف والغدر والظلم .
— ( الحياة ) استعارة تصريحية للكرامة والحرية .
— ( زهور الأمل ) استعارة تصريحية للشباب .
— ( حصدت رؤوس الورى ) استعارة مكنية ..
— ( قلب التراب ) و ( أشربته الدمع حتى ثمل ) استعارتان مكنيتان ، فيهما تشخيص للتراب ، في صورة إنسان نشوان بالدم ، وإيحاء بأن دماء الشهداء ، ودموع الأبرياء وقود الثورة ، وأن فجر الحرية قد اقترب .
— ( ومن يبذر الشوك يجن الجراح ) استعارة تمثيلية ؛ فقد شبه هيئة المستعمر الذي يزرع الشر فلا يحصد إلا الشر ، بهيئة فلاح يبذر شوكا فلا يحصد سوى الجراح .
2 – التصــويــر الكلــي :
— ( صورة كلية للمستعمر الطاغية ) : فهو ظالم ، متحجر المشاعر ، تقطر يداه دما ، يشوه معالم الحياة ، وينشر الخراب والدمار .
خــطــــوطــــها : — اللون المثير للكآبة والحزن [ مخضوبة – الظلام – الشوك ]
— الصوت المثير للحزن والحسرة [ أنات – سخرت ]
— الحركة المبرزة لقسوة المستعمر [ سرت – تبذر ]
( راجع المقطع الأول )
— ( صورة كلية للثورة في مرحلة الكمون والمخاض ) : هدوء ظاهري تجمع الثورة فيه طاقاتها ، وتعد العدة للقضاء على المستعمر ، ويظنه المستعمر خضوعا واستكانة نهائية .
خــطـــوطـــــها : — اللون [ الربيع – الصحو – الفضاء – الضوء – الصباح – الأفق – الظلام – الرماد – اللهيب – الشوك – الجراح ]
— الصوت : [ قصف – الرعود – عصف ]
— الحركة : [ عصف – الرياح – يبذر – يجني ]
( راجع المقطع الثاني )
— ( صورة كلية للثورة في مرحلة الولادة والانطلاق ) : فهي ذات قدرات متعددة ، فحين تبطش بالمستعمر تشبه حيوانا مفترسا يأكله ، وحين تندفع بأبنائها الثائرين تشبه سيلا جارفا ، أو ريحا عاصفة تقتلعه من أرضه ، وحين تمتلئ بحماسة الشباب وحرارة النضال تشبه إعصارا مشتعلا : [ سيجرفك السيل سيل الدماء ويأكلك العاصف المشتعل ]
** يذكرقول الشابي : [ حذار فتحت الرماد اللهيب ] بقول نصر بن سيار يحذر مروان بن محمد آخر خلفاء بني أميــة :[أرى بين الرماد وميض نار ويوشك أن يكون لها ضرام ]
** ويذكر قوله : [ حصدت رؤوس الورى ] بقول الحجاج : [ إني لأرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها ] ..
** البنــــاء المـوســيقي :
1 – الموسـيقا الخارجية :
— البحر بحر ( المتقارب ) وتفعيلاته :
فعولن ، فعولن ، فعولن ، فعولن فعولن ، فعولن ، فعولن ، فعولن
— وهو من البحور ذات التفعيلة الواحدة المكررة .
— القصيدة ثلاثة مقاطع تنوع في قافيتها ( الرويّ ) بين الهاء ، والحاء ، واللام ..
— القافية في المقطع الأول تناسب تأوّه الشاعر ، لأن الألف الممدودة والهاء الساكنة تشبهان ( الآه ) في الأبيات الثلاثة.
— في المقطع الثاني، تثير الحاء المسبوقة بألف المد الإحساس بالحسرة والحرقة المكبوتتين .
2 – المـوسيقا الـداخليــة :
— تكرار الحروف والكلمات : كتكرار ( التاء و السين و الراء ) في البيت الثالث ؛ وتكرار ( السين ) في البيت الأخير [ ســيجرفك الســيل ســـيل الدماء ]
— حسن التقسيم : كما في عجز البيت الأول [ حبيب الظلام ، عدو الحياة ] ، وكما في الأبيات ( الرابع ، والخامس ، والسابع ) .
— التقفية الداخلية ( الترصيع ) : كما في [ رويدك ، لا يخدعنك ] في البيت الرابع ؛ وقوله : [ سيجرفك .. ويأكلك ] في البيت العاشر .
— تجانس الوزن الصرفي لبعض الكلمات ،مثل : [ صحو – ضوء – قصف – عصف ]
و[ رؤوس – زهور ] .
— المحسنات ، ولا سيما الجناس ( كما سبق ) …
انتهى ،، إلى طغاة العالم ،، ، ويليه : ،، الطفلة البائسة ،، ..///
خاصّ بالقسم الأدبيّ
المدرسة الرومانسية ( الابتداعيّة )- الاتجاه الاجتماعيّ
الطفلة البائســة
نازك الملائكة
البنــاء الفكري والشعوري:
1 – مضمون القصيدة:
* القصيدة تصوير إنساني لطفلة فقيرة ، متشردة في أحد شوارع بغداد ، تعاني آلام الحمى، وقسوة البرد ، ومرارة الجوع في ليلة شاتية ، عاصفة من ليالي ( نوفمبر) ؛ تفترش الأرض الغارقة بماء السماء الممطرة، إلى أن يهدأ الإعصار وينحسر مع ضوء الصباح. وهي تعاني منذ إحدى عشرة سنة دون أن يهتم بها أحد.
* وتوجه الشاعرة نقدها المرير إلى المجتمع الذي تقطعت فيه الأواصر الاجتماعية من خلال تصوير المشهد الواقعي، وطرح قضية الطفلة طرحا رومانسيا حزينا نابعا من الإحساس بمرارة الواقع الاجتماعي .
* وتركز الشاعرة على براءة الطفولة في عيني الطفلة لما تمثله من معنى في الأدب الرومانسي ؛ فهي تعبر عن مأساة الإنسان في صراعه مع الحياة ؛ من أزمة الأمن إلى أزمة الاستقرار والعدالة الاجتماعية ، إلى أزمة الحياة الحرة الكريمة، وحياة التشرد والضياع في مجتمع لا يتعاطف ولا يتراحم.
* لا تدخل الشاعرة الموضوع مباشرة في هذه القصيدة (الأقصوصة) ، بل تمهد له ، فتضع القارئ في جو الانتظار والترقب لمعرفة ما سيجري .
* وتتعمد المماطلة والتشويق القائمَين على تدقيق الوصف ( في سبعة الأبيات الأولى ).
* ويتعاون الليل والأمطار ، والظلمة والإعصار، والشارع والريح ، والأعمدة والمصابيح ، والشرفة والبيت ، والركن والبرق ، في التقديم لمشهد الطفلة، والتمهيد للمأساة الاجتماعية .
* ( من البيت الثامن إلى البيت العشرين) ترسم صورة للطفلة المشردة بأبعادها الثلاثة: الزمان والمكان والحدث؛ فالمشهد في منتصف ليلة عاصفة من ليالي ( نوفمبر) ، في جانب بارد من شارع بغدادي مظلم. والطفلة في الحادية عشرة من عمرها ترقد فوق رصيف مبلط بالرخام، مغطى بالثلج ، ضعيفة حزينة ، أمضها الجوع ، ولسعها البرد ، ولازمتها الحمى ، وقد غلبها النعاس فجمعت كفيها ، ونامت على الأرض الغارقة بالمطر، دونما شيء يدفئها، أو أحد يدري بها .
* ( في البيتين الحادي والعشرين والثاني والعشرين) تأتي لحظة التنوير في خاتمة موجزة توحي بالضياع الإنساني، في مجتمع لا يجتمع أبناؤه في الأفراح ولا في الأتراح. وتصبح الطفلة رمزا للمشردين الذين لا يجدون غير الجوع والعذاب والتشرد والمرض.
— انظر قولها : ( ونيام في الشارع يبقون بلا مأوى
لا حمى تشفع عند الناس ولا شكوى).
2 – سمات الأفكار :
* الآفاق الإنسانية : القصيدة نقد للواقع الاجتماعي ، وللمجتمع الإنساني ، ويسمو بالفكرة إلى مستوى الأدب الإنساني الخالد.
— انظر قولها : ( والمجتمع البشري صريع رؤى وكؤوس
والرحمة تبقى لفظا يقرأ في القاموس).
وفي الأبيات نزعة إنسانية واضحة؛ وفي هذا دليل على أن الهدف من الإصلاح الاجتماعي لم يكن محصورا في مجتمع الشاعرة ، وإنما يتعداه إلى آفاق أعم وأشمل.
* الترابط المنطقي : الأبيات متتابعة، متسلسلة، متصلة بموضوع القصيدة.
* الجدة والابتكار: التصوير الإنساني للطفلة البائسة ، وتصوير الضياع الإنساني ، والمآسي الاجتماعية ، معان وليدة النهضة الأدبية الحديثة .
* الإقناع الوجداني : الطفلة بائسة ، والدليل على ذلك أنها: متعبة ، نحيلة الجسم، مسهدة ، مشردة ، خائرة القوى.
3 – العاطفة: * العاطفة إنسانية النزعة ، رومانسية حزينة ، تطرح قضية الضياع الإنساني ممثلا في الطفلة المشردة ، والنيام بلا مأوى .
* الشاعرة في القصيدة متشائمة يائسة من الواقع الاجتماعي المحبِط؛ لذلك تبرز الجانب القاتم من الوجود البشري ، وتبكي غربة الإنسان وضياعه ، واندثاره في الشارع ، لا يدري به أحد.
* الأبيات تثير في المتلقي مشاعر العطف والشفقة على تلك الطفلة ومن شابهها من المستضعفين ، والمظلومين ؛ ومشاعر السخط والنقمة على من لا يتألم لمأساتهم ، وينقذهم من التشرد.
* يظهر ما تعانيه الشاعرة من اضطراب داخلي من خلال ( الإعصار الذي يصرخ ، والأعمدة التي تتوجع ، والمصابيح التي تنوح ، والريح التي تُعْوِل…)
* تعبر الشاعرة عن حزنها ووجومها وكآبتها وسخطها واستسلامها من خلال الطبيعة ؛ فقولها : ( يصرخ الإعصار – تعول الريح ) يوحي بما في نفسها من الشعور الحزين الناقم على الواقع الاجتماعي.وقولها يخبو الإعصار) يوحي باستسلامها أمام وطأة الواقع المحبِط .
* العاطفة ، رغم صدقها ، سلبية : الحزن والكآبة فيها لا يتحولان إلى مواجهة إيجابية للواقع ؛ فالشاعرة تعيش تجربة الحزن ، ترفضها ثم تستسلم له .
* الجو النفسي في القصيدة موحد؛ فالجو العام المحيط بالطفلة يثير في نفسها مشاعر الخوف والرهبة. ومرض الطفلة وضعفها وتشردها وجوعها المزمن، كل ذلك جعلها يائسة ، حزينة ، مستسلمة ، فاقدة الأمل. والطبيعة حزينة ، ثائرة ، تتعاطف مع الطفلة ، وتعكس ثورة الشاعرة وحزنها.
البنــاء التعبيري :
1 – الهيام بالطبيعة واستعمال الألفاظ الدالة على الحزن : الهيام بالطبيعة ، واستخدام الألفاظ الدالة على الحزن والشكوى والقلق ، والتمرد على الواقع ، والاستسلام ، أوضح الظواهر في شعر نازك الملائكة.
2 – الرموز الشفافة ودلالة الفعل : الشاعرة تصور بالرموز الشفافة ، مثل :
— ( الليل ) رمز للعالم المُرْتَحَل إليه . ويوحي بالمجهول والاحتمالات القاتمة ، وغلبة الحزن على الرومانسيين.
— ( الفجر ) رمز للعالم المُرْتَحَل عنه ويوحي بالإشراق والأنس والأمل .
— ( الإعصار ) رمز للخوف والضياع.
— ( الشارع المهجور ) رمز الخوف والضياع.
— ( الطبيعة ) في ثورتها وحزنها ، وسكونها : رمز للثورة في نفس الشاعرة ، وما يتقاذفها من مشاعر عنيفة حزينة.
— بدأ كثير من الجمل بالفعل المضارع للإشعار بتجدد الحدث ، وتعاقبها المستمر، مثل :
( يصرخ فيه الإعصار – تتوجع أعمدة – تنوح مصابيح – يلسعها سوط الريح – وماذا تنسى؟ – تظل الطفلة راعشة ) :
* ( الأعمدة ) يتجدد ألمها وقد شخصتها وأبرزتها في صورة إنسان يتألم .
* ( لسع الريح ) الذي يشبه ضرب الجلاّد ، يتجدد .
* ( المصابيح ) شخصتها الشاعرة نائحاتٍ ، يتجدد بكاؤها وعويلها .
— بنيت الأفعال في الأبيات كلها للمعلوم ، للإيحاء بأن أسباب المأساة واضحة مفهومة ، مثل : ( انتصف الليل – يصرخ – يعول – يلسعها سوط – مرت في حرمان – يبقون بلا مأوى ) ..
3 – التقديم والتأخير :
— تقديم الجار والمجرور ليفصل بين الفعل وفاعله؛ وفيه تقوية للمعنى والإشعار بأهمية المتقدم ، مثل : ( يصرخ فيه الإعصار – تعول فيه الريح) ؛ والتقديم في قولها : ( تعول حول كراها ) .
— الإلحاح على استخدام حرف الجر " في " مثل : ( في منعطف – في ركن – في خديها – في رقة هيكلها – في جزع – في إعياء – في الأحزان ) .. و"في " تفيد الظرفية ، وهذا يؤكد أهمية المكان في القصيدة . ويدعم الحرفَ " في " الظرفُ في مثل قولها : ( فوق رخام – عند الناس – حول كراها – دون غطاء ).
4 – تنوع أساليب الوصف :
* تنوعت أساليب الوصف في الأبيات لتجسيم المعاني وتشخيصها ، وجاءت الصفات :
– مفردة ، مثل : ( سكون رطب – ركن مقرور – بيت مهجور – الريح الشتوية – الأرصفة الثلجية – ريح تشرينية – الأرض الرطبة ..)
– في صورة فعل الماضي : ( رقدت يلسعها ).
– في صورة الفعل المضارع: ( سكون رطب يصرخ فيه الإعصار ) .. وكلمة ( سكون ) نكرة منوَّنة ، والتنوين يفسد التهويل . والصفة ( رطب ) تفيد الثبوت والرسوخ . والوصف في الجملة ( يصرخ فيه الإعصار ) يدل على التجدد والتعاقب . فقد جمع الوصف بين الرسوخ والتجدد، ورسوخ الرطوبة ، وثباتها ، وتجدد الإعصار ، وهطول المطر ، وعصف الريح .
– في صورة شبه الجملة مثل : ( أعوام من حرمان ) لتوضيح طول المعاناة دون التفات أحد إليها.
5 – الأساليب الخبرية والإنشائية:
* الأساليب في الأبيات خبرية تفيد التقرير ، والإشفاق ، وإظهار الأسى والحسرة ، واللوم والتقريع.
— الأسلوب الإنشائي فقط في قولها : ( ماذا تنسى؟ البرد؟ الجوع؟ أم الحمى ؟) ، استفهام يفيد التعجب .
— تكرار الاستفهام ، في العبارة نفسها ، يؤكد دلالة التعجب . ويظهر لنا ذلك بتنغيم العبارة، وهذا نوع من التطريز الصوتي .
6 – التكرار اللفظي :
* التكرار في الأبيات حاجة نفسية ومعنوية ، ووسيلة لربط القصيدة ، ووجه من وجوه الإيقاع ، وإلحاح المعنى.. ومنه :
— تكرار ( الريح – إعصار – المهجور – الظمأ – الجوع – الحمى – النوم – ) إيحاءً بعمق المعاناة ، وعظم المأساة ، والشعور بالخيبة ، والضياع ، والاكتئاب .
— تكرار الفعل ( رقدت ) في أول البيت الثامن ، وفي أول البيت الحادي عشر ؛ ويوحي بالإصرار ، والتأكيد على حاجة الطفلة الماسة إلى الرقود ، لتخفيف ما تعانيه من عناء.
7 – السهولة والوضوح :
— من السمات اللغوية البارزة في الأبيات : * السهولة والوضوح ، وتجنب الغموض والابتذال ، وما تنفر منه الأذن ، ويرفضه الذوق من الألفاظ . * مراعاة الدقة في التعبير ، والصحة في الأداء ، واختيار اللفظة التي تختزن طاقة إضافية من المعنى.
البناء التصويري :
1 – الاستعارة والتشخيص :
* تبدو الاستعارة وتشخيص الحسيات والمجردات في مثل : ( * الإعصار يصرخ * الأعمدة تتوجع * المصابيح تنوح * السنوات الإحدى عشرة ( العمر ) تنطق * الظلمة تحرس شرفة البيت المهجور * الكرى تعول حوله الريح * الحمى تطلب من الناس المعونة للطفلة ).
— توحي هذه الصور بتجاوب الطبيعة القاسية مع الطفلة البائسة، واندماجها في أحزانها .
— إبراز الظلمة في صورة حارس يحمي شرفة البيت المهجور يوحي بالتضامن بين الواقع الفاسد ( الظلمة ) والإفلاس القيمي ( البيت الخرِب ) ، لأن الانحلال لا ينمو إلا في غيبة القيم ، والقيم تتوارى بفعل الفساد.
2 – تراسل الحواس :
وهو إعطاء مدركات حاسة ما لحاسة أخرى : وهذا الأسلوب من التصوير يساعد على نقل الأثر النفسي في الصورة وتعميقه .
— ففي( تنوح مصابيح ) جمع بين مدركات السمع( النوح )ومدركات البصر( المصابيح ).
— وفي( يلسعها سوط الريح)جمع بين عالَم اللمس،وعَالم الأصوات أو مدركات اليد والأذن .
— وفي ( يخبو الإعصار ) جمع بين المسموع والمرئي.
** من التصوير ما هو نابض متحرك : فالركن مقرور ، والبرق يمر ، ويكشف جسم الطفلة ، والأرض المبتلة وسادة ألقت عليها الطفلة رأسها لتنام ، فلم يطاوعها النوم .
3 – التصوير الكلي :
( لوحة الليلة المظلمة ) :
* عناصرها : (الليل – الإعصار – الريح – الأعمدة – المصابيح – الشرفة – البيت – البرق ) .
* خطوطها : اللون في : ( الظلمة – الليل – مصابيح – البرق ) .
الصوت الباكي الحزين في : ( يصرخ – تعول – تنوح – تتوجع ) .
الحركة في : ( يصرخ – تعول – تنوح – تتوجع – يمر ) .
= وهذه اللوحة إطار وتمهيد للوحة المركزية .
( لوحةالطفلة البائسة) : تتوسد الأرض المبللة فوق الرصيف الثلجي ، يجلدها البرد بسوطه حتى الفجر.
* عناصرها : ( الريح – رخام الأرصفة – الثلج – الأرض المبتلة – الظمأ – البرد – الجوع – الحمى – الفجر – الإعصار ).
* خطوطها : اللون في : ( الشتوية – خديها – عينيها – رخام – الثلجية – الأرض -غطاء – الحمى – الفجر ).
الصوت في : ( يلسع – سوط – الريح – ناطقة – تعول – الإعصار ).
الحركة في : ( رقدت – يلسع – سوط – الريح – تعول – ضمت – توسدت – راعشة – يخبو – الإعصار ).
= وهذه اللوحة هي اللوحة المركزية ، فهي مركز الثقل وبؤرة الاهتمام في القصيدة .
( لوحة النيام في الشارع دون مأوى) تلسعهم الحمى بسياطها دون أن يهتم بهم أحد:
* خطوطها : اللون في : ( الشارع – الحمى ) .
الصوت في : ( شكوى ).
الحركة في : ( يبقون – تشفع ).
= هذه اللوحة امتداد للوحة الأم ( لوحة الضياع الإنساني الممتد ).
# يعتمد التصوير الكلي في الأبيات على أداتين :
— ألفاظ الطبيعة ، مثل الإعصار – الريح – الظلمة – الليل – البرق -الأمطار – الثلج ).
— ألفاظ نابعة من القلب مصدر العاطفة والمشاعر ، مثل : ( تصرخ – تتوجع – تعول – تنوح – جزع – الأحزان – الشكوى ).
البناء الموسيقي :
1 – الموسيقا الخارجية ( الوزن والقافية ) :
* البحر مجزوء المتدارك ، وتفاعيله :
فاعلن / فاعلن / فاعلن فاعلن / فاعلن / فاعلن ( … )
* تحررت الأبيات من القافية الواحدة التي رأى فيها الرومانسيون قيدا شكليا يعوق التعبير عن تجربتهم أحيانا ، ويقطع عليهم انفعالهم في أثناء عملية الإبداع .
* نوّعت الشاعرة بين القوافي المطلقة ( المتحركة ) مثل : ( أمطارُ – يصرخ فيه الإعصارُ – فيه الريحُ – تنوح مصابيحُ ) ، والقوافي المقيدة ( الساكنة ) مثل : ( الشتويهْ – جسم صبيهْ – الثلجيهْ – تشرينيهْ ).
استغلت الشاعرة ألفاظ الطبيعة بوضوح مثل : (أمطار- الإعصار- الريح- الشتوية – الثلجية – تشرينية ).
الامتداد النَّفَسي الذي أحدثته حروف المد الساكنة في : ( الإعصار – أمطار – الريح – مصابيح – مقرور – مهجور – خديها – عينيها ) ، أغنى القصيدة بنغم يتلاءم مع إيقاعها .
2 – الموسيقا الداخلية :
تكرار الكلمات : ( الريح- الإعصار- الشارع – المهجور- الظمأ – النوم – الحمى- رقدت ..) .
شيوع حرف " الراء " ، وحروف المد : .. وحرف الراء من حروف الجهر ، ويناسب جو الأسى والحزن .. وفي ذلك إيقاع مؤثر.
حسن التقسيم مثل : ( تتوجع أعمدة ، وتنوح مصابيح – في منعطف الشارع ، في ركن مقرور – ماذا تنسى ؟ البرد ؟ الجوع ؟ أم الحمى ؟ – تشريد ، جوع ، أعوام من حرمان ) .. وهذا يبعث في القصيدة نغما مؤثرا ، وإيقاعا حزينا .
انتهى : ،، الطفلة البائسة ،، ، ويليه : ،، الحياة معركة شاملة ،،..///
انتهـى متناول كتاب ،، اللغة العربية ،، للصف الثالث الثانوي بفرعيه : العلميّ والأدبيّ ///
مع تحيّات :الدّكتور / طلال محمّد الدّرويش
ادعوا لصاحبه بالشفاء العاجل