عبد الله بن عباس
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أبو العباس القرشي الهاشمي. ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كني بابنه العباس، وهو أكبر ولده، وأمه لبابة الكبرى بنت الحارث بن خزن الهلالية. وهو ابن خالة خالد بن الوليد.
وكان يسمى البحر، لسعة علمه، ويسمى حبر الأمة. ولد والنبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته بالشعب من مكة، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فحنكه بريقه، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين وقيل غير ذلك، ورأى جبريل عند النبي صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا إبراهيم بن محمد بن مهران الفقيه وغيره، قالوا بغسنادهم إلى محمد بن عيسى السلمي قال: حدثنا بندار ومحمود بن غيلان قالا: حدثنا أبو أحمد، عن سفيان، عن ليث، عن أبي جهضم، عن ابن عباس. "أنه رأى جبريل عليه السلام مرتين، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم مرتين".
قال: وحدثنا محمد بن عيسى قال: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الوهاب الثقفي، حدثنا خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: "ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "اللهم علمه الحكمة".
أخبرن أبو ياسر بن أبي حبة وغير واحد إجازة قالوا: أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد أخبرنا أبو الحسين ابن النقور، أخبرنا المخلص، أخبرنا يحيى بن محمد بن صاعد، حدثنا يوسف بن محمد بن سابق، حدثنا أبو مالك الجننبي، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: "نحن أهل البيت سجرة النبوة، ومختلف الملائكة، وأهل بيت الرسالة، وأهل بيت الرحمة، ومعدن العلم".
أخبرنا أبو محمد بن أبي القاسم، أخبرنا ابي، أخبرتنا أم البهاء فاطمة بنت محمد أخبرنا أبو طاهر الثقفي، أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم، حدثنا محمد بن جعفر الزراد، حدثنا عبيد الله بن سعد، حدثنا شريح بن النعمان، حدثنا ابن الزناد، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: أن عمر كان إذا جاءته الأقضية المعضلة قال لابن عباس: "أنها قد طرت علينا أقضية وعضل، فأنت لها ولأمثالها". ثم يأخذ بقوله، وما كان يدعو لذلك أحداً سواه. قال عبيد الله:" وعمر عمر". يعني في حذقه واجتهاده لله وللمسلمين.
وقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: كان ابن عباس قد فات الناس بخصال: بعلم ما سبقه، وفقه فيما احتيج إليه من رأيه، وحلم، ونسب، ونائل، وما رأيت أحداً كان أعلم بما سبقه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، ولا بقضاء أبي بكر وعمر وعثمان منه، ولا أفقه في رأي منه، ولا أعلم بشعر ولا عربية ولا بتفسير القرآن، ولا بحساب ولا بفريضة منه، ولا أثقب رأياً فيما احتيج إليه منه، ولقد كان يجلس يوماً ولا يذكر فيه إلا الفقه، ويوماً التأويل، ويوماً المغازي، ويوماً الشعر، ويوماً أيام العرب، ولا رأيت عالماً قط جلس إليه إلا خضع له، وما رأيت سائلاً "قط" سأله غلا وجد عنده علماً.
وقال ليث بن أبي سليم: قلت لطاوس: لزمت هذا الغلام -يعني ابن عباس- وتركت الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم?! قال: إني رأيت سبعين رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تدارؤوا في أمر صاروا إلى قول ابن عباس.
وقال المعتمر بن سليمان، عن شعيب بن درهم قال: كان هذا المكان -وأومأ إلى مجرى الدموع من خديه- من خدي ابن عباس مثل الشراك البالي، من كثرة البكاء.
واستعمله علي بن أبي طالب على البصر، فبقي عليها أميراً، ثم فارقها قبل أن يقتل علي "بن أبي طالب" ، وعاد إلى الحجاز، وشهد مع علي صفين، وكان أحد الأمراء فيها.
وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عمر، وعلي، ومعاذ بن جبل، وأبي ذر.
روى عنه عبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وأبو الطفيل، وأبو أمامة بن سهل بن حنيف، وأخوه كثير بن عباس، وولد علي بن عبد الله بن عباس، ومواليه: عكرمة، وكريب، وأبو معبد نافذ، وعطاء بن أبي رباح، ومجاهد، وابن أبي مليكة، وعمرو بن دينار، وعبيد بن عمير، وسعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وسليمان بن يسار، وعروة بن الزبير، وعلي بن الحسين، وابو الزبير، ومحمد بن كعب، وطاوس، ووهب بن منبه، وأبو الضحى، وخلق كثير غير هؤلاء.
أخبرنا غير واحد بإسنادهم إلى أبي عيسى "قال" : حدثنا أحمد "بن محمد" بن موسى، أخبرنا عبد الله، حدثنا الليث وابن لهيعة، عن قيس بن الحجاج، -قال الترمذي: وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، حدثنا أبو الوليد، حدثنا الليث، حدثني قيس بن الحجاج. المُعْنى واحد- عن حنش الصنعاني، عن ابن عباس قال: كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا غلام، إني أعلمك كلامات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك، لم يضروك بشيء إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف".
قال محمد بن سعد: أخبرنا محمد بن عمر الوافدي، حدثني الحسين بن الحسن بن عطية بن سعد بن جنادة العوفي القاضي، عن أبيه، عن جده قال: لما وقعت الفتنة بين عبد الله بن الزبير وعبد الملك بن مروان، ارتحل عبد الله بن عباس ومحمد بن الحنفية بأولادهما ونسائهما، حتى نزلوا مكة، فبعث عبد الله بن الزبير إليهما: تبايعان? فأبيا وقالا: أنت وشأنك، لا نعرض لك ولا لغيرك. فأبى وألح عليهما إلحاحاً شديداً، فقال لهما فيما يقول: لتبايعن أو لأحرقنكم بالنار. فبعثا أبا الطفيل إلى شيعتهم بالكوفة وقالا: إنا لا نأمن هذا الرجل، فانتدب أربعة آلاف، فدخلوا مكة، فكبرة تكبيرةً سمعها أهل مكة وابن الزبير، فانطلق هارباً حتى دخل دار الندوة -ويقال: تعلق بأستار الكعبة وقال: أنا عائذ بالبيت- قال: ثم ملنا إلى ابن عباس وابن الحنفية وأصحابهما، وهم في ددور قريب من المسجد، قد جمع الحطب فأحاط بهم حتى بلغ رؤوس الجدر، لو أن ناراً تقع فيه ما رؤي منهم أحد، فأخرناه عن الأبواب، وقلنا لابن عباس: ذرنا نريح الناس منه. فقال: لا، هذا بلد حرام، حرمه الله، ما أحله عز وجل لأحد إلا للنبي صلى الله عليه وسلم ساعة، فامنعونا وأجيزونا قال: فتحملوا وإن منادياً ينادي في الخيل: ما غنمت سرية بعد نبيها ما غنمت هذه السرية، إن السرايا تغنم الذهب والفضة، وإنما غنمتم دماءنا. فخرجوا بهم حتى أنزلوهم منى، فأقاموا ما شاء الله الله، ثم خرجوا بهم إلى الطائف، فمرض عبد الله بن عباس، فبينا نحن عنده إذ قال في مرضه: إني أموت في خير عصابة على وجه الأرض، أحبهم إلى الله، وأكرمهم عليه، واقربهم إلى الله زلفى، فإن مت فيكم فأنتم هم. فما لبث إلا ثماني ليال بعد هذا القول حتى توفي رضي الله عنه، فصلى عليه محمد بن الحنفية، فأقبل طائر أبيض فدخل في أكفانه، فما خرج منها حتى دفن معه، فلما سوي عليه التراب قال ابن الحنفية: مات والله اليوم حبر هذه الأمة.
وكان له لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة. وقيل: خمس عشرة سنة. وتوفي سنة ثمان وستين بالطائف، وهو ابن سبعين. وقيل: إحدى وسبعين سنة. وقيل: مات سنة سبعين. وقيل: سنة ثلاث وسبعين. وهذا القول غريب.
وكان يصفر لحيته، وقيل: كان يخضب بالحناء، وكان جميلاً أبيض طويلاً، مشرباً صفرة، جسيماً وسيماً صبيح الوجه، فصيحاً.
وحج بالناس لما حصر عثمان، وكان قد عمي في آخر عمره، فقال في ذلك: "البسيط"
إن يأخذ الله من عيني نورهما ** ففي لساني وقلبي منهما نور
قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخل ** وفي فمي صارم كالسيف مأثور
أخرجه الثلاثة.