ذكرت سورة ق الكثير من الأمور المتعلقة بأهوال الساعة والحساب والبعث و الكتاب الحفيظ, فقد قال ابن كثير رحمه الله : والقصد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهذه السورة في المجامع الكبار ، كالعيد والجمع ، لاشتمالها على ابتداء الخلق والبعث والنشور ، والمعاد والقيام ، والحساب، والجنة و النار ، والثواب , والعقاب والترغيب والترهيب.
بدأت سورة ق بالتحدث عن إنكار المشركين للبعث ووصفهم له بالرجع البعيد من الآيات1إلى5 فقد أقسم الله بالقرآن وذكر اللوح الحفيظ و أن كلامهم مختلط لا حال له.
و قد تحدث الله تعالى عن دلائل النشأة الأخرى من الآية 6 إلى 15 حيث ذكر الله تعالى الكثير من الدلائل التي تثبت صحة البعث و أن تكذيب الكفار ما هو إلا جهل.
ثم تحدث الله تعالى من الآية 16إلى22 عن سعة علمه وكمال قدرته فالله تعالى محيط بأحوال العباد و مطلع على ما بداخلهم وعن الملائكة الكتبة و بعض أهوال يوم القيامة.
وتحدث الله تعالى من الآية 23إلى30 عن مصير الكافرين و ما ينتظرهم من عذاب.
ومن الآية 31إلى35 تحدث الله تعالى عن جزاء المؤمنين الذي هو سلام ونعيم.
وأخيرا حذر الله تعالى الكفار من الثبات على الكفر من الآية 36إلى45 وذكرهم بمصارع الأمم الذين أهلكوا قبلهم لكفرهم و أمر بالتصديق و الاستعداد ليوم القيامة وذكر مناداة إسرافيل لأهل القبور وما ينتج عنها من أهوال ونهى السورة بذكر بيان كاف يؤكد تكذيب الكفار للرسول وأن الرسول ليس بجبار ولكنه هاد.
هذه هي آيات سورة ق جميعها من الآية الأولى (1) إلى الآية الأخيرة (45)
تفسير سورة ق
الآية 1 :- أقسم الله تعالى بالقرآن الكريم بأن الناس سيبعثون بعد الموت و جواب القسم محذوف تقديره :-(والقرءان المجيد لتبعثن) و ق واحدة من الحروف المقطعة التي ترد في أوائل السور للدلالة على إعجاز القرآن و المجيد صفة للقرآن بأنه ذو مجد.
الآية 2 :- تعجب المشركون من أن الرسل بشر مثلهم ولكنهم لم يتعجبوا من أن آلهتهم مكونة من حجر.
الآية 3 :- رد المشركون على قسم الله تعالى بالبعث بأنه رجع بعيد أي حدث بعيد الوقوع.
الآية 4 :- يخبر الله تعالى بأنه على علم بما تبليه الأرض من أجساد الناس الميتة و بأن لديه كتاب حفيظ أي حافظ يحتوي على جميع أحوال العباد و تفاصيل حياتهم.
الآية 5 :- كذب الكفار بالقرآن الكريم الموصوف هنا بالحق و جميعهم في أمر مريج أي مختلط و مضطرب فهم تارة يقولون بأن الرسول شاعر و تارة كاهن و غيرهم و أيضا يصفون القرآن بأوصاف مختلفة كأساطير الأولين أو كالشعر و غيرهم.
الآية 6 :- بدأ الله تعالى بالتحدث عن دلائل النشأة الأخرى فذكر السماء العالية المزينة الشديدة التي لا تحتوي على أي فرج أي شق أو صدع وأفلم هنا أداة سؤال و المعنى :- أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم نظرة اعتبار و تفكر كيف بنيت بلا فرج أو شق.
الآية 7 :- ثم ذكر الله تعالى الأرض التي بسطها و مددها ووضع فيها جبال لتثبيتها و لمنعها من الاضطراب و أنبت فيها أنواع النبات و الثمار حسنة المظهر التي تبهج من ينظر إليها و هذا المقصود بالبهيج.
الآية 8 :- أي تبصيرا لكم من الله تعالى و تذكيرا بقدرته لكل عبد تواب راجع إلى الله عز و جل.
الآية 9 :- و أرسلنا إليكم المطر المبارك فأنبتنا من الأرض الجنات الخضراء و حبوب الحصيد (أي ما يحصد من الحبوب).
الآية 10 :- أي النخل الطوال المرتفعات ذات الطلع المنظم بعضه فوق بعض. الآية 11 :- أي أحيينا ارض مجدبة قاحلة بالماء المنزل من السماء بعدما كانت ميتة و كما أحييناها نحيكم يوم القيامة.
الآية 12 و 13 و 14 : كذبت قبل قريش الكثير من الناس الذين كذبوا رسلهم كقوم نوح و أصحاب الرس و هم الذين رسوا نبيهم في البئر أي دسوه فيها و عاد و فرعون و إخوان لوط و قد وصف قوم لوط بالإخوة لأنه صاهرهم و تزوج منهم و أصحاب الأيكة أي أصحاب الشجر الملتف و هم قوم شعيب فجميعهم سيحل عليه وعيدي و غضبي (الله عز وجل) فلا تحزن يا محمد من تكذيبهم لك و المقصود التذكير بمصارع الأمم السابقة.
الآية 15 :- في هذه الآية يوبخ الله تعالى الكفار لشدة غبائهم و جهلهم فهل الذي تمكن من الخلق أول مرة سيعجز عن الخلق مرة أخرى ؟ فجميع الكفار في أمر مضطرب فهم يصدقون خلق الله لهم ولكنهم ينكرون البعث.
الآية 16 :- لقد خلق الله تعالى الإنسان و هو يعلم حديثه الخفي مع نفسه الذي لا يسمعه أي أحد فالله عز و جل أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد الموجود في أسفل العنق الموصول بالقلب الذي يسري فيه الدم الموصوف ب(الشريان الوريدي).
الآية 17 و 18 :- للإنسان ملكان يسجلان أعماله و أقواله ملك عن يمينه و ملك عن شماله و قعيد أي الملازم للإنسان القاعد له فما يلفظ من قول إلا يسجلانه وكلمة رقيب معناها يسجل الأقوال والأعمال و عتيد أي حاضر لا يغيب عنه و كلا الكلمتان وصف للملكان.
الآية 19 :- أي جاءت غمرة الموت و شدته التي يفر منها الإنسان و يهرب خوفا من ملاقاتها و لكنها ستصل إليه في النهاية مهما هرب منها.
الآية 20 :- أي نفخ في الصور النفخة الثانية التي يحيى بسببها الناس و ذلك هو يوم الحساب الذي كان ينكره المشركين.
الآية 21 :- أي جاء كل إنسان و معه ملكان الملك الأول يسوقوه إلى المحشر و الآخر يشهد على أعماله و أقواله.
الآية 22 :- أي أن الإنسان كان في غفلة عن هذا اليوم الرهيب فكشف عنه غطاء الغفلة فبصره اليوم حاد ليرى به ما كان في غفلة عنه.
الآية 23 :- يقول الملك الموكل بالإنسان لله عز وجل :- هذا الذي أوكلتني به يا رب من بني آدم قد أحضرته و أحضرت ديوان عمله فهو حاضر بين يديك.
الآية 24و25 :- يقول الله عز و جل للملكان السائق و الشهيد أن يلقي في جهنم الكافر الفاجر المعاند للحق الظالم الغاشم الذي شك في الله و لقاءه.
الآية 26 :- أي القي كل من أشرك بالله و لم يؤمن بوحدانيته و عبد غيره من الأحجار أو البشر في العذاب الشديد.
الآية 27 :- يقول الشيطان الذي كان الإنسان الكافر متوكل عليه لله عز و جل أنه ليس من أضل الكافر بل هو الذي اختر طريق الضلالة دون أن يجبره عليه و أنما هو فقط زين له الطريق إلى ذلك دون إكراه أو إجبار.
الآية 28 و29 :- يقول الله تعالى للكفار بأنه لا جدال و خصام اليوم فقد انتهى وقت الكلام و لا مجال للعودة و الله تعالى لم يظلم أحدا و سيعاقب الجميع كما يستحق و كلام الله لا يتغير و حكمه لا يتبدل.
الآية 30 :- أي يوم يسأل الله تعالى هل اكتفيت و تقول أريد المزيد و في هذه الآية يحتمل أن يكون المقصد بيان سعة جهنم حيث يوضع فيها جميع الكفار و العصاة.
الآية 31 و 32 :- أي قربت الجنة للمتقين حيث يرونها من مكان قريب و يسرون بأنهم محشورون إليها فهذه هي الجنة التي وعد الله بها كل أواب (أي راجع إلى الله) و كل حفيظ (أي حافظ لأمر الله و عهده ).
الآية 33 :- أي من آمن بالله و خشيه من دون أن يراه لشدة إيمانه بالله و يقينه و جاء بقلب طاهر خالي من قاذورات القلب و التي هي الكفر و المنكرات.
الآية 34 :- أي أدخلوا الجنة آمنين سالمين مطمئنين فهذا هو يوم الخلود اليوم الذي يخلد فيه المؤمن في الجنة.
الآية 35 :- أي لهم في الجنة ما يشاءون و ما تشتهي أنفسهم من مأكل و مشرب و من مظاهر بهية و لدى الله عز و جل ما يزيد عن ذلك لهم.
الآية 36 :- أي كم من الأمم الطاغية أهلكوا قبل قوم قريش كانوا أشد منهم بطشا و قوة فساروا في البلاد و طوفوا في الآفاق فلم يجدوا محيصا أي مهرب بل أهلكوا شر هلاك.
الآية 37 :- أي أن صاحب القلب السليم و العاقل سوف يعتبر بمصارع الأمم السابقة و سيتعظ بها فيبتعد عن نواهيها.
الآية 38 :- قال اليهود بأن الله بعد أن خلق السموات و الأرض في ستة أيام استراح يوم السبت و سموه بيوم راحة الأب و منعوا العمل فيه فرد عليهم الله تعالى بهذه الآية فقد قال (و ما مسنا من لغوب) و المقصود باللغوب التعب.
الآية 39 :- يقول الله تعالى للرسول أن يصبر على استهزاء و تكذيب المشركين و أن يصلي لربه وقتي الفجر و العصر لأن ملائكة السماء تحضرها.
الآية 40 :- أي و من الليل فصل لربك تهجدا و أعقاب الصلوات المفروضة فالمراد بالتسبيح هنا هو الصلاة و قيل هو التسبيح بذكر الله ( سبحان الله و الحمد لله و الله أكبر.
الآية 41 و 42 :- أي و استمع نداء إسرافيل عليه السلام حين ينادي الخلائق للخروج من القبور و البعث و النشور ثم ينفخ في الصور فإذا هم قيام ينظرون.
الآية 43 :- أي نحيي الخلائق ثم نميتهم ثم نخرجهم أحياء بعد الفناء و إلينا وحدنا مرجعهم للحساب و الجزاء.
الآية 44 :- أي يخرجون من القبور مسرعين استجابة لدعوة المنادي ذلك جمع هين سهل على الله لا يحتاج إلى جهد و عناء و وقت.
الآية 45 :- أي نحن أعلم بما يقوله قومك المشركون و بما يتهمونك به و لست يا محمد بمتسلط أو جبار عليهم حتى تجبرهم على الإيمان فعظ بهذا القرءان من يخاف وعيد رب العالمين.