ونسبها يعود الى حمدان بن حمدون من قبيلة تغلب العربية ، وهي شيعية المذهب تأسست أولا بشمالي العراق ، واتخذت الموصل عاصمة لها ، وذلك في عهد أميرها ناصر الدولة ابو محمد الحسن 929ـ 968م .
وفي عهد أميرها ( سيف الدولة ابو الحسن علي) استولوا على حلب وحمص ، فكونوا دولتهم بالشام على حساب الإخشيديين ، وفي بلاطهم بحلب ازدهرت الحركة الفكرية ، فكان الفارابي واحدا من الإعلام الذين احتضنهم بلاط الحمدانيين ، كذلك كان ( المتنبي ) الشاعر العربي خالد الصيت الذي خلد بأشعاره قتال الحمدانيين ضد البيزنطيين .
وعندما ناءت هذه الأمارة بعبء الصراع ضد البيزنطيين من ناحية والفاطميين من ناحية أخرى ، ضمها آخر أمرائها ( مرتضى الدولة ابو نصر منصور ابن لؤلؤ ) الى الفاطميين سنة 1015 م .
دولة بني طــاهر (820 ـ 872م)
وهي ثالث حالة انفصال عن الدولة العباسية بعد الأدارسة في المغرب و الأغالبة في تونس .
أسسها طاهر ابن الحسين الخراساني ( الأعور) ، كان المأمون قد كافأه على القتال معه ضد أخيه الأمين ! ، وبعد الانتصار ، جعل خراسان له ولمن يرثه ولاية خالصة .
ووسع بنو طاهر نطاق ولايتهم حتى حدود الهند ، ونقلوا قاعدتهم من الري الى نيسابور ، حيث ظلت لهم السلطة حتى أزاحهم الصفاريون سنة 872 م
دولة بني صـــفار (867 ـ 908م)
يرجع تأسيس الدولة الصفارية الى يعقوب بن ليث الصفار . وكان هذا كما يستدل من اسمه يشتغل في النحاس ظاهرا ، ويشتغل بأعمال اللصوصية سرا .
وكان لمهارته وفروسيته وشدة شوكته ، قد استرعى انتباه عامل الخليفة على سجستان ، ونال إعجابه ، فعهد اليه بقيادة الجيش ، والظاهر انه خلف الوالي نفسه .
أخذ يعقوب يتوسع بولايته حتى شملت فارس والهند ، وأخذ يتهدد بغداد العاصمة وخليفتها ( المعتمد ) ، ولم يطل أمد الدولة الصفارية إذ انتهت الى دولة جديدة هي السامانية بعد 41 سنة من حياتها .
دولة بني سامان ( 874 ـ 999 م)
حكم بنو سامان فارس وما وراء النهر مدة 125 عاما ، ويرجع نسبهم الى سامان أحد نبلاء ( بلخ ) من أتباع زرادشت ( . وكان مؤسس دولتهم ( نصر بن أحمد ) 874 ـ 892 م ، الا ان موطد أركان الحكم ، هو اسماعيل أخوه ، فهو الذي انتزع خراسان من قبضة بني صفار عام 903 م .
نشأ بنو سامان عمالا مسلمين لبني طاهر ، ثم ما لبثوا ان وسعوا حكمهم حتى شمل سجستان و كرمان و جرجان و خراسان ، وتمتعوا بسلطة مستقلة ، وان كانوا يدينون في الظاهر للخليفة في بغداد ، وكانوا في نظره أمراء أي حكاما لهذه المقاطعات بل عمالا على الخراج لا أكثر ، برغم استقلالهم في الشؤون الداخلية .
وعلى يد السامانيين تم للاسلام تدويخ ما وراء النهر نهائيا ، وكادت بخارى عاصمتهم و سمرقند سيدة مدنهم ان تسبقا بغداد بالعلم والفن . وقد قدم الرازي الشهير كتابه الطبي المعروف ب ( المنصوري ) نسبة لأميرهم المنصور .
كما ان الأمير الساماني ( نوح الثاني ) 976 م استدعى )( ابن سينا ) وكان يافعا تحت العشرين من عمره الى بخارى وهيئ له خزانة كتبها الملكية ، وظهر فيها الشاعر ( الفردوسي ) والمؤرخ ( البلعمي) وهم اول من عاد ليكتب بالفارسية ويترجم من العربية للفارسية .
الغزنـــويون (962 ـ 1186م )
كان من بين الموالي الأتراك لبني سامان رجل اسمه ( ألب تكين ) أسندت اليه المناصب العالية ، وكان آخر الأمر رئيسا للحرس ثم والي خراسان عام 961 ، ثم خلعه الأمير الساماني ، فهرب الى الشرق وانتزع ( غزنة ) في أعالي الجبال في أفغانستان وأنشأ بها دولة مستقلة نمت وكبرت ، بفضل صهره ( سُبكتكين ) ( 976 ـ 997م).
وكان أمراء غزنة الستة عشر من سلالة هذا الصهر . وكان أعظم من ظهر في هذه الدولة محمود الغزنوي ( 999 ـ 1030م ) ابن ( سُبكتكين ) وقد قام هذا بسبعة عشر حملة على الهند والبنجاب و قصبتها ( لاهور ) أدت الى الاستيلاء عليها ، وبعض أنحاء السند ثم اتجه غربا حتى احتل إيران كاملة ، وهو أكبر توسع يمهد للانقضاض على قلب الدولة العباسية في بغداد .
دولة بني بويـــه ( 932 ـ 1055م )
ينحدر أمراء هذه الدولة من أصول عرقية غير عربية ، فهم من قبيلة جبلية سكنت الديلم على الساحل الجنوبي من بحر قزوين ، ولقد بدأت حياتهم الإدارية والسياسية في خدمة آل سامان ثم بدأت عملية تكوين إمارتهم في عهد أميرهم ( عماد الدولة ـ أبو الحسن علي ) 932 ـ 949م ، بعد احتلالهم أصبهان ثم شيراز 16
عاصمة لدولتهم .
وفي عهد ثالث أمرائهم ( معز الدولة أبو الحسين أحمد بن بويه ) ، امتد نفوذهم الى بغداد ، فسيطروا على خليفتها الذي أصبح لعبة في أيديهم ، تولية وعزلا ، بل وقتلا .. ولقب أمرائهم منذ ذلك الحين بلقب : أمير الأمراء ، وأضيفت أسماؤهم الى أسماء الخلفاء في خطبة الجمعة ، وعلى النقود المسكوكة .
وفي عهد خامس أمرائهم ( عضد الدولة أبو شجاع فناخسرو ) 979 ـ 983 م ، اتسعت دولتهم حتى قاربت خلافة هرون الرشيد ، كما نافست في الفكر والإنشاءات دولة العباسيين .
فاتصل ببلاط عضد الدولة الذي تلقب بلقب ( شاهنشاه ) وجهاز دولته، أعلام في الفكر والطب والتاريخ من أمثال ( مسكويه ) 1030م و الرازي الطبيب والفيلسوف 923م والمتنبي 965م وأبو علي الفارسي 987م .
كما ازدهر في ظل هذه الدولة ذات المذهب الشيعي ، نشـاط جماعة ( أخوان الصفا ) ، وعرف فكر المعتزلة صحوته من خلال تسامح الدولة معه ، وكان إمام المعتزلة ( عبد الجبار احمد ) 1024م قاضي القضاة للدولة . كما تولى وزارة الدولة ( الصاحب بن عباد ) 995م الذي كان على مذهب أهل العدل والتوحيد .
وقد انهارت دولة بني بويه ، بدخول القائد السلجوقي ( طغرل بك ) الى بغداد عام 1055م ، في عهد الأمير البويهي الثالث عشر ( الملك الرحيم ابو نصر خسروفيروز )
الدولة السلجوقية ( 1037ـ 1186م )
يرجع نسب هذه الدولة الى قبيلة ( الغز ) التركمانية ، وهي من القبائل الرحَل ، تبعت زعيمها ( سلجوق ) ، فانحدروا من سهول قرغيز ببلاد التركستان الى ناحية ( بخارى ) حيث اعتنقوا الاسلام ، وتمذهبوا بالمذهب السني ، وبالغارات والحروب وصلوا خراسان ثم استولوا على (مرو ) و نيسابور و بلخ و جرجان و طبارستان و خوارزم و همذان والري و أصبهان ، فاقتطعوا بذلك أجزاء من الدولة الغزنوية والدولة البويهية ، ولقد اتخذوا من ( أصبهان ) عاصمة لهم و تلقب أميرهم بلقب ( السلطان ).
وفي عهد ( ركن الدولة طغرل بك ابو طالب محمد بن ميكائيل بن سلجوق ) 1037 ـ 1063م ، أزاحوا عن بغداد وخليفتها ـ الذي كان آنذاك (القائم) الخليفة العباسي السادس والعشرون ، نفوذ بني بويه ومارسوا هم السيطرة فيها ، ثم امتدت دولتهم فشملت الشام بعد ان اقتطعتها من الدولة الفاطمية ، وحاربت جيوشهم ، الروم البيزنطيين ، فانتزعت منهم آسيا الصغرى ، حيث نشروا فيها الاسلام و أقاموا بها إحدى إماراتهم التي تصدت مع إمارتهم في الشام لغزوات الصليبيين .
وقد عرفت هذه الدولة غير العربية ، عهدا من الازدهار التعليمي والفكري ، على عهد وزيرها الفذ ( نظام الملك ( ابو محمد الحسن الدهستاني (1018ـ 1092م ) الذي أسس المدرسة ( النظامية) في بغداد . وفي العهد هذا عاش وكتب وانتج أعلام منهم ابو حامد الغزالي 1059ـ1111 وعمر الخيام 1121م.
وقد صدت هذه الدولة غير ذي مرة ، وشوك سقوط بغداد والخلافة فيها لصالح الفاطميين أصحاب المذهب الشيعي .
الدولة الزيــادية (في اليمن 817 ـ 1160م )
أسسها محمد بن ابراهيم الزيادي ، بناء على نصيحة من الوزير الحسن بن سهل للمأمون ، لإيقاف المفسدين في تهامة والانفصاليين . فجعل المأمون ولاية اليمن لهذا الرجل ، وجعل ولاية العهد فيها من ذريته .
فاختط الزيادي هذا والذي ينتسب الى زياد بن أبي سفيان ، مدينة (زبيــد) سنة 818م ، لتكون حاضرة تهامة ومركزا لها ، وهي أول دولة مستقلة في اليمن بعد الاسلام .
الدولة اليعفرية (اليمن 861 ـ 997م )
نسبها يعود الى ( يعفر بن السكسك بن وائل بن حمير) ، أحد ملوك حمير قبل الاسلام . ومؤسسها هو ( يعفر بن عبد الرحيم بن ابراهيم الحوالي ) ، الذي كان أبوه عبد الرحيم نائبا عن والي الخليفة المعتصم في نجد يمن وصنعاء .
ولما توفي عبد الرحيم أصبح ( يعفر ) واليا ، والذي يعتبر مؤسس للدولة اليعفرية المستقلة في صنعاء . ورغم استقلالها فقد كان يدفع خراجها لآل زياد ويحمل لهم ل ( زبيد ) ، وكأنه عاملا لهم او نائبا عنهم على تلك المنطقة .
الدولة الأرتقية 1101 ـ 1408م
تنسب الدولة الأرتقية هذه الى ( أرتق بن أكسب التركماني ) وهو مملوك من مماليك السلطان ملكشاه السلجوقي ، وقائد من قواده .
ورغم أنها مملكة صغيرة تقع شمال العراق ، فقد انقسمت منذ بدايتها الى قسمين : مملكة ( الحصن ) وملوكها ثمانية انتهت على يد الأيوبيين عام1223 م . ومملكة ( ماردين ) وملوكها (16) التي انتهت على يد العثمانيين سنة 1408 م .
دول الأتـــابكة
وهي حوالي 12 أتابكية صغيرة ، كل حكامها ذو أصول تركية . منها أتابكية دمشق و أتابكية سوريا و أتابكية سنجار و أتابكية الجزيرة و أتابكية أربيل و أتابكية أذربيجان و أتابكية فارس و أتابكية لورستان و أتابكية خوارزم و أتابكية أرمينية و أتابكية الموصل و التي خرجت منها الدولة الزنكية .
الدولة الزنكية ( 1127 ـ 1250 م)
انطلقت تلك الدولة من أتابكية الموصل .. وأسسها عماد الدين الزنكي وهو ابن رقيق تركي . وقامت كمؤسسة فروسية عسكرية ، تمثل الاستجابة للتحديات التي فرضتها الحملات الصليبية ، وكانت الخطوة الحاسمة عندما تقدمت جيوشها نحو الغرب فوحدت دمشق مع الموصل، وانتقلت عاصمتها الى حلب ، كي تقود منها عن قرب ، الصراع المظفر الذي قامت به ضد الصليبيين ، وكان ذلك في عهد سلطانها الملك العادل ( نور الدين الزنكي ) الذي حرر الرها و أقساما من انطاكية من الصليبيين .
وفي مرحلة من مراحل صراع نور الدين زنكي ضد الصليبيين ، ركزوا على مصر مستغلين الخلافات الداخلية ، بين وزيري ( العاضد) الخليفة الفاطمي آنذاك ، ( شاور ) الذي استعان بالصليبيين وحالفهم و (ضرغام ) الذي كان يريد محاربة الصليبيين ونفوذهم في مصر .
فاستعانت الخلافة الفاطمية ، بجيش ( نور الدين ) السني ، وتوحدت جهودهما أمام الخطر المشترك فانحسرت موجة التهديد والغزو الصليبي عن مصر . وتحول قائد جيش نور الدين بمصر ( صلاح الدين الأيوبي) من منصب الوزارة الى منصب السلطان ، بعد وفاة الخليفة العاضد في عام 1171 م .
الدولة الأيوبية 1171ـ 1250 م
أسسها صلاح الدين الأيوبي ، واسمه يوسف بن أيوب بن شاذي ولد في تكريت على نهر دجلة من أبوين كرديين عام 1138 م . وتعرف عليه نور الدين زنكي من خلال عمه ( شيركوه ) ، وهو أحد أعوان نور الدين القديرين ، وبعد موته ، عين صلاح الدين خلفا له ، وفي سنة 1169 م أسندت اليه الوزارة في مصر ، فأمر الناس أن يدعوا للخليفة العباسي وكذلك الخطباء في المساجد وقد تم له ذلك دون عناء.
والدولة الأيوبية مؤسسة ذات طابع حربي ، تأسست كرد فعل ضد الكيانات الاستيطانية الصليبية . فكانت الفروسية في معسكراتها ، هي مصدر جيشها الكبير المكون من عناصر الرقيق التي تجلب في سن مبكر لتنشأ نشأة إسلامية عسكرية .
وكانت تقطع لتلك المعسكرات الأراضي الزراعية ، ليكون منتوجها مصدر رزق وتمويل لها لقاء الذود عن أراضي العباد .
ولقد قامت كدولة سنية محافظة بتصفية مراكز الفكر الشيعي من مصر . فأغلقت الجامع الأزهر خمس سنوات حتى حولت مناهجه من الشيعة الى السنة . وبددت مكتبات القاهرة التي لم يكن لها في عصرها نظير . وطاردت دعاة الفاطميين ، وقضت على بقايا عسكرهم وحرسهم الخاص . و أقامت المدارس السنية والتكايا ، وشجعت حركات التصوف كي تملأ الفراغ الذي ظهر بغياب الفكر الشيعي .
وعلى الجبهة العسكرية ، قاد صلاح الدين سلسلة من المعارك ضد الغزاة الصليبيين وكياناتهم في فلسطين ، حتى استقر و لا يزال في ضمير الأمتين العربية والإسلامية ، كواحد من ابرز قادتها العظام ، وفي هذه المعارك حرر كثيرا من المدن والحصون التي كانت في حوزة الصليبيين ومن بينها القدس .
وبعد صلاح الدين وفي عهد خلفاءه ، كانت إدارة الدولة مزيجا من المركزية و اللامركزية . ولقد تعاقب على الملك في عهد الأيوبيين ثمانية سلاطين هم : صلاح الدين ( 1169 ـ 1193م) والملك العزيز (عماد الدين ) ابو الفتح عثمان ( 1193 ـ 1198م) والملك الكامل (أبو المعالي) محمد ، ومن ثم الملك العادل سيف الدين ابو بكر احمد ومن بعدهم الملك العادل الثاني والملك الصالح ( نجم الدين ) أيوب زوج شجرة الدر ( 1240 ـ 1249م) ، وآخر ملوكهم الملك المعظم توران شاه 1250 وبمقتل الأخير تولت شجرة الدر أرملة الملك الصالح نجم الدين أيوب ، الحكم الذي انتقل من خلالها الى المماليك .
خاتمة:
وهكذا نكون بمحاولتنا المتواضعة ، قد غطينا معظم الدول والإمارات التي تداخلت مع حكم العباسيين ، عدا الحكم في الأندلس الذي كان يتمتع باستقلالية مطلقة .
ولاحظنا كيف ان الفتور القومي من خلال الاختلاط بالزواج والاعتماد على غير العرب قد أضعف الدولة ومركزيتها ، وكذلك الترف والبذخ والضرائب الثقيلة كيف ساهمت هي الأخرى في الاستجابة لأي تغيير ، كما ان طريقة الحكم وولاية العهد البعيدة كل البعد عن الشورى والديمقراطية قد جعلت الاخوة وأبناء العمومة يتربصوا ببعض من أجل الحكم .
كما ان اختلاط الأصول المعرفية والديانات قد هيأ الجو لاضعاف الدولة العباسية ، وسقوط بغداد عاصمتها على يد ( هولاكو ) عام 1256 م ، وانتقلت الخلافة العباسية اسميا الى القاهرة في عهد المماليك لكن دون أي أثر فعلي لها .
انتهى