المقدمة
بعيداً عن العذابات الإنسانية المعاصرة، لا خلاف على أن المدنية الحديثة تعيش حالياً واحدة من أزهي عصورها، والفضل في ذلك يعود إلى الحاسوب وغير ذلك من أدوات التقدم العلمي والتكنولوجي، وما أكثرها.
فقد أدى ظهور الحاسوب والاستخدام المدني للأقمار الصناعية وما تبع ذلك من إنجازات تقنية في مجالات كثيرة -أبرزها الاتصالات والإنترنت- إلى تحقيق فضائل وثورات عديدة، أبرزها بالطبع الثورة المعلوماتية التي أضحى معها العالم بالفعل قرية واحدة تتشابك أوصالها في لحظة بمجرد كبسة زر.
كما أدى ظهور الحاسوب والإنترنت والبرمجيات المتخصصة إلى تغير وتطور مفاهيم كثيرة في أكثر من مجال، ومنها مفهوم الخريطة الجغرافية والفكر الجغرافي، بصفة عامة.
لقد أحال "غوغل إيرث" وغيره من محركات البحث الجغرافي على الشبكة العنكبوتية، الخارطة الجغرافية من مجرد ورقة صماء لا تحوي سوى رموز غامضة وخطوط متعرجة تستعصي في أغلب الأحيان على الفهم وتبعث أحياناً أخرى على النفور والنمطية، إلى شيء ممتع ولعبة مسلية تتميز بالتجديد والحداثة، ويصعب على الزائر مبارحتها أو تركها.
تاريخ الخريطة الجغرافية
اقترنت الخرائط منذ القدم بالإنسان، حيث كان الإنسان البدائي يلجأ لتوثيق وتصوير الدروب التي يسلكها من خلال الرسم على جدران الكهوف وجلود الحيوانات وغيرها من الوسائل المتاحة، وذلك من أجل الاستدلال بها في تنقلاته وترحاله، ساعده في ذلك معرفته للرسم قبل الكتابة.
ومع معرفته للكتابة تطور الأمر وتحسنت جودة الخرائط المرسومة وزادت كذلك التفاصيل والمعلومات الناطقة بها، كما كان ظهور الورق عاملاً هاماً في زيادة مهارة رسم وإنتاج الخريطة.
غير أن النقلة الكبرى للخرائط لم تحدث إلا مع بداية القرن السادس عشر مع انتشار الطباعة والتوسع في حركة الترجمة، وزيادة حركة الكشوف الجغرافية والملاحة البحرية، حتى بلغت أوجها في القرن التاسع عشر بظهور خرائط مدققة ومزودة بالمساقط والإحداثيات الجغرافية.
لكن الخريطة الورقية رغم التحسينات الجوهرية التي طرأت عليها ورغم الدقة التي وصلت إليها، لم تخرج من عباءة التقليد والنمطية، ولم تتحول إلى الصورة الإلكترونية أو الرقمية إلا مع ظهور الحاسوب وإطلاق تطبيقات الأقمار الصناعية ونظام تحديد المواقع العالمي (GPS) للاستخدام المدني، في سبعينيات القرن الماضي.
فقد أتاح هذا التطور تصوير كامل أجزاء الأرض وإنتاج عدد لا حصر له من صور الأقمار الصناعية في هيئة رقمية ومدققة جغرافياً، ما سهل كثيراً أمر تحويل هذه الصور إلى خرائط رقمية يحمل كل رقم فيها معلومة، وتنبض كل نقطة ضوئية بها بالحياة والديناميكية.
بيد أن عجلة التطور لم تقف عند هذا الحد، فمع انتشار الحواسيب السريعة وظهور نظام المعلومات الجغرافية (GIS)، وإمكان إضافة ودمج البيانات العلمية والثقافية والاجتماعية والسياسية المتاحة، إلى الصور الفضائية والخرائط المنتجة منها، لتكوين طبقات معلوماتية إضافية يمكن الربط بين عناصرها وتحليلها إحصائيا وكمياً، أو إظهار جوانب معينة فيها.. تطوّر شكل ومفهوم الخريطة الجغرافية إلى ما نراه حالياً على الشبكة العنكبوتية عبر "غوغل إيرث" ومحركات البحث الجغرافية المشابهة الأخرى.
قراءة الخريطة الجغرافية
تمثيل هندسي للكرة الأرضية أو لجزء منها انطلاقا من مقياس مضبوط يحدّد
حجم وسلم الخريطة بالمقارنة مع حجم المجال الحقيقي الذي تمثله . و بالتالي فإن ماتقوم به هو اختزال ذلك المجال ضمن مجموعة من المعطيات الدّالة بحيث يظهر مكثـّفا عندما يتـمّ عرضه على
الخريطة، فتسهل ملاحظته بصفة واضحة. و من هنا تبرز أهمية أو محدودية الخريطة. فمهما كانت
الخريطة عالية الدقة وكبيرة من حيث المقياس فهي لا تستطيع عكس الواقع في تفاصيله و مفارقاته ؛ لكنها في النهاية تبقي من أنجع الوسائل لتجميع معطيات متركزة على المجال و عرضها في لوحة تأليفية وبالتالي تختزل كما هائلا من المعطيات المكتوبة وتوضحها.
تعريف الخريطة
الخريطة عمل تقني يقوم به مختصّون في علم الطوبوغرافيا والترسيم الخرائطي، يستطيعون ضبط حدود المجال و مكوناته الطبيعية إما عن طريق المشاهدة على عين المكان أو الاستعانة بالأجهـزة الأرضية،أو بالصور الجوية الملتـقـطة بواسطـة الطائرات أو الأقمار الصناعية ، و يجسدون ذلك، حسب مقياس مضبوط ، فوق وثيقة ورقية.
بعدها يمكن للجغرافي أو لغيره أن يستغـلّ تلك الخرائط الخام ( لاترسم عليها معطيات ) ليجسم عليها معطيات مكتوبة مرتبطة ببحث ميداني ،أو من مصادر إحصائية موثوق بها ،أو تقارير للأجهزة المخـتصّة ، أو غيرها و بالتالي فأنّ تحويل تلك المعطيات المكتوبة إلي معطيات خرائطية مضبوطة ومحددة يجب أن يتقيد بما تفرضه الخريطة من لغة وضوابط هيكلية وتوجيهية في الترسيم من حيث اختيار الرموز والألوان والأشكال مع وضع مفتاح دقيق وعنوان ومقياس واتجاه الشمال … وبالتالي فصياغة الخريطة هي عمل تقني و تحريري يبرز في اختيار نوعية المعطيات المعروضة و في كيفية تنظيم المفتاح. و من الممكن للدارس أن يستعيد تلك المعطيات المجسدة خرائطيا بتحويلها إلى معلومات مصاغة تحريريا.
و بالتالي تصبح الخريطة التاريخية و الجغرافية وثيقة تدرس مثلما يدرس النص، أو الجدول الإحصائي، أو الرسم البياني والتوجيهي، أو الرسم الكاريكاتوري، أو الصورة .
أ نواع الخرائط الجغرافيةمتعددة ومعرفة صنف كل خريطة هام جدا حسب
طريقة الاستعمال (جدارية – في كتاب – خريطة أطلس …) ومن حيث النوع :
– 1 الخرائط الطبوغرافية : تمثل فيها التضاريس تمثيلا هندسيا
باستعمال منحنيات الارتفاع والتضليل كما تتضمن معطيات مفصلة عن أسماء المواقع وعن التجهيزات والسكن والنشاط الاقتصادي ويعتمد في رسمها على مقاييس كبيرة .
– 2 الخرائط الموضوعية : تمثل الظواهر المختلفة والعلاقات
الموجودة بينها وتحديد مواقعها وتنقسم الى :
* خرائط وصفية : تهتم بتمثيل الظواهر التي يشاهدها الانسان ولذلك يجسم هذا الصنف من
الخرائط عناصر المشهد الطبيعي ومواقعه من تضاريس وتربة وغطاء نباتي ومياه وموارد طبيعية
كما تجسم الخرائط الوصفية عناصر المعمار ومواقعه من مدن وقرى وتجهيزات نقل ومناطق فلاحية
وصناعية .
* الخرائط التحليلية : تستعمل لتمثيل ظواهر مجردة ومن خصائصها تحويل المجال الجغرافي
إلى مجرد ركيزة لتحديد مواقع الظواهر المدروسة وأن تكون الظواهر المجسمة على الخريطة محددة بتاريخ وكثيرا ما تجسم التوزيع ألمجالي لمعطى واحد أو مجموعة من المعطيات المرقمة وبالتالي
فهي تمثل قمة المعالجة الاحصائية التي تمر عبر المراحل الأربعة الآتية : ترتيب المعطيات – تكوين
مجموعات متجانسة – بناء مفتاح طبقا للمجموعات المكونة – انجاز الخريطة .
3 الخرائط التأليفية
الثورة الإلكترونية وإبداع الخريطة الحديثة
يُؤرخ عام 2024 على أنه بداية الانطلاقة الكبرى للخريطة الجغرافية الحديثة على الشبكة العنكبوتية.
فقد شهد ذلك العام إطلاق أكثر من برنامج ومحرك خاص بتصفح الخرائط وعرضها لزوار الشبكة بشكل مجاني وبدون أي قيد، من أبرزها برنامج "غوغل إيرث" (Google Earth) الشهير الصادر عن شركة غوغل، و"فيرتشوال إيرث" (MSN Virtual Earth) الصادر عن مايكروسوفت، وخدمة "ياهو مابس" (***** Maps) المقدمة من شركة ياهو.
"كما شهد العامين المنصرمين اكتمال هذه الانطلاقة بظهور محركات بحث منافسة وقوية مثل "ويكي مابيا" Wikimapia، الصادرة عن موسوعة ويكيبديا مفتوحة المصدر، والإصدار الأخير من "ناسا ورلد وند" NASA World Wind التي تقف ورائها أكبر وكالة فضاء على مستوى العالم وهي ناسا الأميركية، ، و إطلاقهما تم بدعم من شركتي جوجل بالنسبة الأول، وميكروسوفت بالنسبة للثاني".
مع "غوغل إيرث" لا يمكنك فقط مشاهدة ومعاينة حديقة منزلك أو أي موقع تحبه، بإضافة البعد الثالث وبأعلى قدر من الوضوح، بل يمكنك أيضاً المشاركة في المحتوي المعلوماتي للخرائط المعروضة، سواء بإضافة رابط أو صورة أو معلومة إلى حيز منطقة ما، أو سواء باستنباط قياسات وبيانات جغرافية محددة عن تلك المنطقة، وهي ميزات تساعد ولا شك على الشعور بالذات وإثبات الوجود والإحساس بالإيجابية.
و"غوغل إيرث" في تطور مستمر وبياناته في تحديث دائم، حيث أضيفت إليه منتصف العام الماضي على سبيل المثال خدمة "ستريت فيو"، وبها يمكن لأي من قاطني المدن الكبيرة -خاصة في أميركا وأوروبا- التعرّف على أحوال السير وظروف الطقس وحركة المرور ومناطق الازدحام والاختناقات في الشوارع المختلفة، وذلك قبل انطلاقه إلى محل عمله أو وجهته.
كما تعدت غوغل آفاق ذلك بالانطلاق إلى الفضاء الخارجي وعرض الصور الملتقطة بواسطة التلسكوب العملاق هابل، لتتيح بذلك لزوراها الإبحار مع النجوم والمجرات والكواكب الخارجية من خلال خدمة "سكاي" الملحقة بغوغل إيرث، و"غوغل مون" و"غوغل مارس" المعنيين باستكشاف وتصفح الصور والخرائط الخاصة بالقمر وكوكب المريخ.
إيجابيات وإشكاليات
توضح التجربة أن العوالم الجغرافية الافتراضية التي قدمتها مؤخراً غوغل ومايكروسوفت وناسا وويكي مابيا، قد ساهمت في تحقيق إيجابيات كثيرة على أكثر من مستوى ومجال، كما ساهمت في إحداث حالة من الحراك المعرفي والتفاعل الإيجابي بين عدد كبير من مستخدمي الشبكة العنكبوتية.
وتشمل الإيجابيات المنظورة -فيما تشمل- أمورا كثيرة، من أهمها:
1. دعم العملية التعليمية في المدارس والجامعات عبر الاستعانة بالأمثلة والحالات الدراسية والصور وملفات الوسائط المتعددة المتاحة بتلك العوالم.
2. المساهمة في زيادة مستوى الثقافة والمعرفة العامة، نتيجة الإقبال على الخرائط وتداول المعلومات العلمية والتاريخية والاجتماعية الملحقة بها.
3. شعبنة علوم كثيرة وجعلها محببة إلى القلب وفي متناول الجميع، ومن أبرز تلك العلوم الجغرافيا والفلك والجيولوجيا والاستشعار عن بعد.
4. دعم جهود أهلية وأممية كثيرة، خاصة تلك المتعلقة بحماية البيئة ومكافحة حرائق الغابات وأعمال الإغاثة والإنقاذ، ومناهضة الجريمة والإبادة الجماعية وانتشار الفقر.
5. دعم صناعات وأنشطة تجارية واقتصادية كثيرة عبر الدعاية المجانية والترويج السياحي، وإرساء خدمات تسويقية جديدة وغير تقليدية.
الإشكاليات والجوانب السلبية
1. تنبع من واقع أن حدود الدول ومنشآتها الحيوية والإستراتيجية والعسكرية، بل وخصوصية الأفراد فيها، قد أصبحت مكشوفة ومرئية بوضوح للجميع، بما يعني إمكانية استغلال هذا بشكل سيئ من قبل أي فرد أو مجموعة وفي أي وقت.
2. إمكانية تأجيج بعض الصراعات والنزاعات الإقليمية، وهذا من خلال تباين حجم ودقة المعروض من صور "غوغل إيرث" في كلا المعسكرين المتنازعين.
3. إمكانية إثارة بعض المشاكل السياسية والعرقية بين الدول، خصوصاً في المناطق المتنازع عليها، وهذا على غرار ما حدث بين تشيلي والأرجنتين صيف العام المنقضي، نتيجة خطأ غوغل في ترسيم الحدود بين الدولتين وإدراج اسم وموقع قرية تشيلية ضمن الحدود السياسية للأرجنتين.
4. تهديد الخصوصية الفردية وإمكانية انتهاكها من خلال خدمة "ستريت فيو" -مثلا- المقدمة من "غوغل إيرث"، إذ تقوم هذه الخدمة على وضع كاميرات رصد ومتابعة في الشوارع الرئيسية والكبيرة، بما يعني الكشف عن هوية الأشخاص وفضح سلوكهم الشخصي.
احتمالية الاستخدام الخاطئ للمعلومات وذلك عن طريق التضليل المعلوماتي وتعمد بث معلومات كاذبة أو خادعة أو مهينة بجانب أحد الأماكن أو المرافق العامة أو الخاصة.
بعيداً عن العذابات الإنسانية المعاصرة، لا خلاف على أن المدنية الحديثة تعيش حالياً واحدة من أزهي عصورها، والفضل في ذلك يعود إلى الحاسوب وغير ذلك من أدوات التقدم العلمي والتكنولوجي، وما أكثرها.
فقد أدى ظهور الحاسوب والاستخدام المدني للأقمار الصناعية وما تبع ذلك من إنجازات تقنية في مجالات كثيرة -أبرزها الاتصالات والإنترنت- إلى تحقيق فضائل وثورات عديدة، أبرزها بالطبع الثورة المعلوماتية التي أضحى معها العالم بالفعل قرية واحدة تتشابك أوصالها في لحظة بمجرد كبسة زر.
كما أدى ظهور الحاسوب والإنترنت والبرمجيات المتخصصة إلى تغير وتطور مفاهيم كثيرة في أكثر من مجال، ومنها مفهوم الخريطة الجغرافية والفكر الجغرافي، بصفة عامة.
لقد أحال "غوغل إيرث" وغيره من محركات البحث الجغرافي على الشبكة العنكبوتية، الخارطة الجغرافية من مجرد ورقة صماء لا تحوي سوى رموز غامضة وخطوط متعرجة تستعصي في أغلب الأحيان على الفهم وتبعث أحياناً أخرى على النفور والنمطية، إلى شيء ممتع ولعبة مسلية تتميز بالتجديد والحداثة، ويصعب على الزائر مبارحتها أو تركها.
تاريخ الخريطة الجغرافية
اقترنت الخرائط منذ القدم بالإنسان، حيث كان الإنسان البدائي يلجأ لتوثيق وتصوير الدروب التي يسلكها من خلال الرسم على جدران الكهوف وجلود الحيوانات وغيرها من الوسائل المتاحة، وذلك من أجل الاستدلال بها في تنقلاته وترحاله، ساعده في ذلك معرفته للرسم قبل الكتابة.
ومع معرفته للكتابة تطور الأمر وتحسنت جودة الخرائط المرسومة وزادت كذلك التفاصيل والمعلومات الناطقة بها، كما كان ظهور الورق عاملاً هاماً في زيادة مهارة رسم وإنتاج الخريطة.
غير أن النقلة الكبرى للخرائط لم تحدث إلا مع بداية القرن السادس عشر مع انتشار الطباعة والتوسع في حركة الترجمة، وزيادة حركة الكشوف الجغرافية والملاحة البحرية، حتى بلغت أوجها في القرن التاسع عشر بظهور خرائط مدققة ومزودة بالمساقط والإحداثيات الجغرافية.
لكن الخريطة الورقية رغم التحسينات الجوهرية التي طرأت عليها ورغم الدقة التي وصلت إليها، لم تخرج من عباءة التقليد والنمطية، ولم تتحول إلى الصورة الإلكترونية أو الرقمية إلا مع ظهور الحاسوب وإطلاق تطبيقات الأقمار الصناعية ونظام تحديد المواقع العالمي (GPS) للاستخدام المدني، في سبعينيات القرن الماضي.
فقد أتاح هذا التطور تصوير كامل أجزاء الأرض وإنتاج عدد لا حصر له من صور الأقمار الصناعية في هيئة رقمية ومدققة جغرافياً، ما سهل كثيراً أمر تحويل هذه الصور إلى خرائط رقمية يحمل كل رقم فيها معلومة، وتنبض كل نقطة ضوئية بها بالحياة والديناميكية.
بيد أن عجلة التطور لم تقف عند هذا الحد، فمع انتشار الحواسيب السريعة وظهور نظام المعلومات الجغرافية (GIS)، وإمكان إضافة ودمج البيانات العلمية والثقافية والاجتماعية والسياسية المتاحة، إلى الصور الفضائية والخرائط المنتجة منها، لتكوين طبقات معلوماتية إضافية يمكن الربط بين عناصرها وتحليلها إحصائيا وكمياً، أو إظهار جوانب معينة فيها.. تطوّر شكل ومفهوم الخريطة الجغرافية إلى ما نراه حالياً على الشبكة العنكبوتية عبر "غوغل إيرث" ومحركات البحث الجغرافية المشابهة الأخرى.
قراءة الخريطة الجغرافية
تمثيل هندسي للكرة الأرضية أو لجزء منها انطلاقا من مقياس مضبوط يحدّد
حجم وسلم الخريطة بالمقارنة مع حجم المجال الحقيقي الذي تمثله . و بالتالي فإن ماتقوم به هو اختزال ذلك المجال ضمن مجموعة من المعطيات الدّالة بحيث يظهر مكثـّفا عندما يتـمّ عرضه على
الخريطة، فتسهل ملاحظته بصفة واضحة. و من هنا تبرز أهمية أو محدودية الخريطة. فمهما كانت
الخريطة عالية الدقة وكبيرة من حيث المقياس فهي لا تستطيع عكس الواقع في تفاصيله و مفارقاته ؛ لكنها في النهاية تبقي من أنجع الوسائل لتجميع معطيات متركزة على المجال و عرضها في لوحة تأليفية وبالتالي تختزل كما هائلا من المعطيات المكتوبة وتوضحها.
تعريف الخريطة
الخريطة عمل تقني يقوم به مختصّون في علم الطوبوغرافيا والترسيم الخرائطي، يستطيعون ضبط حدود المجال و مكوناته الطبيعية إما عن طريق المشاهدة على عين المكان أو الاستعانة بالأجهـزة الأرضية،أو بالصور الجوية الملتـقـطة بواسطـة الطائرات أو الأقمار الصناعية ، و يجسدون ذلك، حسب مقياس مضبوط ، فوق وثيقة ورقية.
بعدها يمكن للجغرافي أو لغيره أن يستغـلّ تلك الخرائط الخام ( لاترسم عليها معطيات ) ليجسم عليها معطيات مكتوبة مرتبطة ببحث ميداني ،أو من مصادر إحصائية موثوق بها ،أو تقارير للأجهزة المخـتصّة ، أو غيرها و بالتالي فأنّ تحويل تلك المعطيات المكتوبة إلي معطيات خرائطية مضبوطة ومحددة يجب أن يتقيد بما تفرضه الخريطة من لغة وضوابط هيكلية وتوجيهية في الترسيم من حيث اختيار الرموز والألوان والأشكال مع وضع مفتاح دقيق وعنوان ومقياس واتجاه الشمال … وبالتالي فصياغة الخريطة هي عمل تقني و تحريري يبرز في اختيار نوعية المعطيات المعروضة و في كيفية تنظيم المفتاح. و من الممكن للدارس أن يستعيد تلك المعطيات المجسدة خرائطيا بتحويلها إلى معلومات مصاغة تحريريا.
و بالتالي تصبح الخريطة التاريخية و الجغرافية وثيقة تدرس مثلما يدرس النص، أو الجدول الإحصائي، أو الرسم البياني والتوجيهي، أو الرسم الكاريكاتوري، أو الصورة .
أ نواع الخرائط الجغرافيةمتعددة ومعرفة صنف كل خريطة هام جدا حسب
طريقة الاستعمال (جدارية – في كتاب – خريطة أطلس …) ومن حيث النوع :
– 1 الخرائط الطبوغرافية : تمثل فيها التضاريس تمثيلا هندسيا
باستعمال منحنيات الارتفاع والتضليل كما تتضمن معطيات مفصلة عن أسماء المواقع وعن التجهيزات والسكن والنشاط الاقتصادي ويعتمد في رسمها على مقاييس كبيرة .
– 2 الخرائط الموضوعية : تمثل الظواهر المختلفة والعلاقات
الموجودة بينها وتحديد مواقعها وتنقسم الى :
* خرائط وصفية : تهتم بتمثيل الظواهر التي يشاهدها الانسان ولذلك يجسم هذا الصنف من
الخرائط عناصر المشهد الطبيعي ومواقعه من تضاريس وتربة وغطاء نباتي ومياه وموارد طبيعية
كما تجسم الخرائط الوصفية عناصر المعمار ومواقعه من مدن وقرى وتجهيزات نقل ومناطق فلاحية
وصناعية .
* الخرائط التحليلية : تستعمل لتمثيل ظواهر مجردة ومن خصائصها تحويل المجال الجغرافي
إلى مجرد ركيزة لتحديد مواقع الظواهر المدروسة وأن تكون الظواهر المجسمة على الخريطة محددة بتاريخ وكثيرا ما تجسم التوزيع ألمجالي لمعطى واحد أو مجموعة من المعطيات المرقمة وبالتالي
فهي تمثل قمة المعالجة الاحصائية التي تمر عبر المراحل الأربعة الآتية : ترتيب المعطيات – تكوين
مجموعات متجانسة – بناء مفتاح طبقا للمجموعات المكونة – انجاز الخريطة .
3 الخرائط التأليفية
الثورة الإلكترونية وإبداع الخريطة الحديثة
يُؤرخ عام 2024 على أنه بداية الانطلاقة الكبرى للخريطة الجغرافية الحديثة على الشبكة العنكبوتية.
فقد شهد ذلك العام إطلاق أكثر من برنامج ومحرك خاص بتصفح الخرائط وعرضها لزوار الشبكة بشكل مجاني وبدون أي قيد، من أبرزها برنامج "غوغل إيرث" (Google Earth) الشهير الصادر عن شركة غوغل، و"فيرتشوال إيرث" (MSN Virtual Earth) الصادر عن مايكروسوفت، وخدمة "ياهو مابس" (***** Maps) المقدمة من شركة ياهو.
"كما شهد العامين المنصرمين اكتمال هذه الانطلاقة بظهور محركات بحث منافسة وقوية مثل "ويكي مابيا" Wikimapia، الصادرة عن موسوعة ويكيبديا مفتوحة المصدر، والإصدار الأخير من "ناسا ورلد وند" NASA World Wind التي تقف ورائها أكبر وكالة فضاء على مستوى العالم وهي ناسا الأميركية، ، و إطلاقهما تم بدعم من شركتي جوجل بالنسبة الأول، وميكروسوفت بالنسبة للثاني".
مع "غوغل إيرث" لا يمكنك فقط مشاهدة ومعاينة حديقة منزلك أو أي موقع تحبه، بإضافة البعد الثالث وبأعلى قدر من الوضوح، بل يمكنك أيضاً المشاركة في المحتوي المعلوماتي للخرائط المعروضة، سواء بإضافة رابط أو صورة أو معلومة إلى حيز منطقة ما، أو سواء باستنباط قياسات وبيانات جغرافية محددة عن تلك المنطقة، وهي ميزات تساعد ولا شك على الشعور بالذات وإثبات الوجود والإحساس بالإيجابية.
و"غوغل إيرث" في تطور مستمر وبياناته في تحديث دائم، حيث أضيفت إليه منتصف العام الماضي على سبيل المثال خدمة "ستريت فيو"، وبها يمكن لأي من قاطني المدن الكبيرة -خاصة في أميركا وأوروبا- التعرّف على أحوال السير وظروف الطقس وحركة المرور ومناطق الازدحام والاختناقات في الشوارع المختلفة، وذلك قبل انطلاقه إلى محل عمله أو وجهته.
كما تعدت غوغل آفاق ذلك بالانطلاق إلى الفضاء الخارجي وعرض الصور الملتقطة بواسطة التلسكوب العملاق هابل، لتتيح بذلك لزوراها الإبحار مع النجوم والمجرات والكواكب الخارجية من خلال خدمة "سكاي" الملحقة بغوغل إيرث، و"غوغل مون" و"غوغل مارس" المعنيين باستكشاف وتصفح الصور والخرائط الخاصة بالقمر وكوكب المريخ.
إيجابيات وإشكاليات
توضح التجربة أن العوالم الجغرافية الافتراضية التي قدمتها مؤخراً غوغل ومايكروسوفت وناسا وويكي مابيا، قد ساهمت في تحقيق إيجابيات كثيرة على أكثر من مستوى ومجال، كما ساهمت في إحداث حالة من الحراك المعرفي والتفاعل الإيجابي بين عدد كبير من مستخدمي الشبكة العنكبوتية.
وتشمل الإيجابيات المنظورة -فيما تشمل- أمورا كثيرة، من أهمها:
1. دعم العملية التعليمية في المدارس والجامعات عبر الاستعانة بالأمثلة والحالات الدراسية والصور وملفات الوسائط المتعددة المتاحة بتلك العوالم.
2. المساهمة في زيادة مستوى الثقافة والمعرفة العامة، نتيجة الإقبال على الخرائط وتداول المعلومات العلمية والتاريخية والاجتماعية الملحقة بها.
3. شعبنة علوم كثيرة وجعلها محببة إلى القلب وفي متناول الجميع، ومن أبرز تلك العلوم الجغرافيا والفلك والجيولوجيا والاستشعار عن بعد.
4. دعم جهود أهلية وأممية كثيرة، خاصة تلك المتعلقة بحماية البيئة ومكافحة حرائق الغابات وأعمال الإغاثة والإنقاذ، ومناهضة الجريمة والإبادة الجماعية وانتشار الفقر.
5. دعم صناعات وأنشطة تجارية واقتصادية كثيرة عبر الدعاية المجانية والترويج السياحي، وإرساء خدمات تسويقية جديدة وغير تقليدية.
الإشكاليات والجوانب السلبية
1. تنبع من واقع أن حدود الدول ومنشآتها الحيوية والإستراتيجية والعسكرية، بل وخصوصية الأفراد فيها، قد أصبحت مكشوفة ومرئية بوضوح للجميع، بما يعني إمكانية استغلال هذا بشكل سيئ من قبل أي فرد أو مجموعة وفي أي وقت.
2. إمكانية تأجيج بعض الصراعات والنزاعات الإقليمية، وهذا من خلال تباين حجم ودقة المعروض من صور "غوغل إيرث" في كلا المعسكرين المتنازعين.
3. إمكانية إثارة بعض المشاكل السياسية والعرقية بين الدول، خصوصاً في المناطق المتنازع عليها، وهذا على غرار ما حدث بين تشيلي والأرجنتين صيف العام المنقضي، نتيجة خطأ غوغل في ترسيم الحدود بين الدولتين وإدراج اسم وموقع قرية تشيلية ضمن الحدود السياسية للأرجنتين.
4. تهديد الخصوصية الفردية وإمكانية انتهاكها من خلال خدمة "ستريت فيو" -مثلا- المقدمة من "غوغل إيرث"، إذ تقوم هذه الخدمة على وضع كاميرات رصد ومتابعة في الشوارع الرئيسية والكبيرة، بما يعني الكشف عن هوية الأشخاص وفضح سلوكهم الشخصي.
احتمالية الاستخدام الخاطئ للمعلومات وذلك عن طريق التضليل المعلوماتي وتعمد بث معلومات كاذبة أو خادعة أو مهينة بجانب أحد الأماكن أو المرافق العامة أو الخاصة.