كان مارتن لوثر أكبر مصلح ألماني ديني عرفته القارة الأوروبية. ولد في مدينة آيزيلبن بألمانيا سنة 1483 وإليه يعود الفضل في تأسيس الكنيسة البروتستانتية في القرن السادس عشر.
نشأ مارتن في أسرة كبيرة وكان والده يعمل بتقطيع الرخام وألواح الأردواز الحجرية. وقد ظهرت على الإبن علامات النجابة والذكاء منذ طفولته المبكرة فأصر والده على تعليمه وتوفير أفضل الرعاية له.
العائلة ضحّت كثيرا في سبيل إرسال الإبن المحبوب مارتن إلى المدرسة في آيزيناخ. كان صوته جميلاً فقرر أن يستغل تلك الموهبة الطبيعية لتخفيف عبء مصاريفه عن كاهل والده، فراح يغني أمام بيوت الأغنياء الذين كانوا ينفحونه ببعض المال لقاء إطرابهم بصوته الرخيم.
في عام 1501 التحق بجامعة أرفورت وبعد أربع سنوات من الدراسة حصل على شهادة الماجستير من تلك الجامعة.
كان مارتن يطمح إلى مزاولة مهنة المحاماة، ولكن مع إكمال دراسته الجامعية أحس بتأثير النهضة الدينية التي راحت تكتسح بلدان أوروبا الغربية. وبعد حصوله على شهادته بقليل انخرط في سلك الرهبنة وانتسب لدير القديس أوغسطين.
في عام 1507 سيمَ كاهناً وفي السنة التالية أصبح أستاذا للفلسفة في جامعة ويتنبرغ. في سنة 1512 وإثر عودته من زيارة قام بها إلى روما نيابة عن رهبانيته حصل على شهادة دكتوراه في اللاهوت وتم تعيينه أستاذاً للعلوم الدينية في نفس الجامعة حيث شرع بسلسلة من المحاضرات عن الكتاب المقدس
بداية دعوته
في سنة 1511 سافر إلى روما، وهذه الرحلة هي التي غيرت مجرى حياته، ولما عاد منها بدء سيرته مصلحاً للدين المسيحي. وكان البابا في روما، في أشد الحاجة إلى المال، ولم يجد سبيلاً للحصول عليه إلا عن طريق إصدار وبيع صكوك الغفران، وكان يطلب إلى الناس شراؤها ليغفر الله ذنوب أقربائهم أو من يشاؤون ممن يعذبون في المطهر بسبب ما اقترفوه من ذنوب. وكان يشرف على هذه العملية راهب دومنيكي يدعى يوحنا تتسل وذلك في سنة 1516، فراح يروّج لها بطرق ظاهرة أثارت ثائرة مارتن لوثر، فأصدر لوثر بياناً يحتوي على 25 قضية ضد صكوك الغفران. ولصق البيان على باب كنيسة فتنبرج، في يوم 31 أكتوبر 1517 ، فسافر تتسل إلى فرانكفورت وأصدر من هناك بياناً فند فيه قضايا لوثر الـ 25، وقام بإحراق بيان لوثر علناً، فانتقم الطلاب في فتنبرج فأحرقوا بيان تتسل.
لم يكن في حُسبان لوثر أن تتحول معارضته لصكوك الغُفران إلى حرب عارمة على البابوية، ومنها إلى تأسيس العلمنة السياسية في أوروبا كلها. أي كان موقف الكنيسة منه يبقى لوثر الرجل الذي أدخل العلمنة السياسية الى أوروبا.
في القرن السادس عشر، رفع مارتن لوثر – مؤسس حركة الإصلاح البروتستانتي – شُعلة الإصلاح الديني، ساعياً إلى تطهير المسيحية من العقائد غير الأصيلة. كان أكثر ما يؤرق مارتن لوثر، إيمان المسيحيين بفكرة صكوك الغُفران. إلا أنه لم يكن في حُسبانه أن يتحول هذا الأرق إلى ثورة إصلاحية كبيرة، لا تعم ألمانيا وحدها، بل القارة الاوروبية بأكملها. ولم يكن يدور في خلده، أن تُسفر مسيرته تلك عن صلح "وستفاليا" الشهير في عام 1648؛ ذلك الصلح الذي وضع حجر الاساس لعلمنة الغرب.
الحرب ضد صكوك الغُفران
آمن لوثر بخلو الإنجيل من صكوك الغُفرانكان مارتن لوثر مُحباً للرهبنة منذ نعومة أظافره، الأمر الذي دفعه إلى العكوف على الدراسات اللاهوتية الأكاديمية، حتى صار أستاذاً لدراسات الكتاب المُقدس (الإنجيل) بجامعة فتنبيرغ في عام 1512. لم يكن وصول لوثر إلى هذا المنصب مسألةً سهلةً على والده الفلاح الذي طالما حلم بابنه القاضي؛ ذلك الحلم الذي تحطم أمام إصرار لوثر على مواصلة مسلكه في حقل الدين، وليس القانون.
لطالما كان يُزعجه شعور الغرق في الخطيئة – كما يشير الدكتور عبد الله أبو عِزة في كتابه "حوار الإسلام والغرب" – مما أوصله في النهاية، بعد تفكير عميق، إلى اعتناق عقيدة التبرئة بالإيمان التي تقول: إن رضا الرب يأتي عن طريق الإيمان وحده، وليس عن طريق العمل الصالح. ومن هنا كان رفضه للسلطة البابوية والمجالس الكنسية التي كانت تبيع صكوك الغُفران للمسيحيين باعتبارها الوسيلة الوحيدة لمسح الخطيئة. ومن ثم كان قوله: "إن العفو الذي يصدره البابا لا يمكن أن يزيل أقل خطيئة" (أبو عِزة، 105).
تحول سلوكه الرافض لتلك الصكوك إلى فعل حركي، تبلور في 31 أكتوبر 1517، حينما قام بإعداد قائمة بالاعتراضات على عملية بيع صكوك الغُفران، ضمت حوالي 95 اعتراضاً. ولم يكتف لوثر بذلك، بل قام بعدها بتعليق القائمة على باب كنيسة الحصن الذي كان يُستخدم دوماً لمثل تلك الأغراض.
وكما يقول أبو عِزة، فقد مثلت تلك القائمة الشرارة التي أدت إلى انفجار حركة الإصلاح الديني الذي شهده الغرب على امتداد قرنٍ بأكمله. والعجيب في الأمر، أن لوثر لم يكن لديه مشروع عام للإصلاح الديني، بل كان يريد فقط إصلاح الخلل الكامن في صكوك الغُفران، وما شابهه من عقائد غير أصيلة مثل التوسل بالقديسين وتقديس مُخلفاتهم الأثرية، بل كان يبتغي ذلك في سبيل الدفاع عن سمعة البابوية.
الإصلاح البروتستنتي :
بعد طرده من الكنيسة الكاثوليكية، أعلن لوثر حربه على البابوية كلها الموقف العنيف لبابا الفاتيكان – ليو العاشر آنذاك – قلب قضية لوثر رأساً على عقب. فمن مُدافع عن سُمعة البابا، أضحى لوثر من أشد المُهاجمين للكرسي المقدس. لم يكن موقف البابا سهلاً أو بسيطاً، فهو لم يكتف فقط بطرد لوثر من الكنيسة الكاثوليكية، باعتباره ناقضاً لفكرة صكوك الغُفران، بل وصفه بالانحراف والهرطقة Heretic؛ وهو وصف كان يتبعه عقاب وحيد في ذلك الوقت: إنه عقاب الحرق وسط الناس أجمعين.
لم يكن بوسع لوثر ساعتها إلا الهرب وطلب الحماية من أمير سكسونيا، فريديريك ذه وايز، الذي أظهر استعداده لاحتضانه ومساعدته. وبدأ لوثر – منذ هذه اللحظة – توسيع نطاق معركته من محاربة صكوك الغُفران إلى محاربة البابوية، بمعنى أدق إلى محاربة سلطة البابا سواءً على الكتاب المقدس أو على الحكام المدنيين، كما أوضح أبو عِزة.
لقد نادى لوثر، من خلال حركته الموسعة، إلى المساواة بين طبقة رجال اللاهوت المسيحي (الإكليروس) وبين المسيحيين العاديين، كما دعا إلى حق الفرد في تفسير الإنجيل، الأمر الذي شجع الفلاحين الألمان على قراءة الإنجيل الذي كشف لهم حقيقة وضعهم، وهي: أنه لا مبرر للضنك الذي يكابدونه منذ عشرات السنين. وبدأت ثورات الفلاحين في الاكتساح، حاملةً معها أقصى أنواع التطرف والانتقام، فكان لذلك مردود سلبي واضح على الحركة البروتستانتية. فقد حرق الفلاحون مئات القرى والأديرة، معتبرين ثورتهم "انتفاضةً باسم الإنجيل"، كما أورد أبو عِزة في كتابه. ولم يكن أمام لوثر إلا الخروج من مخبأه – مُضحياً بحياته – لكي يوقف تطرف أتباعه
إن القيام بثورة من الأحداث التى يقف عندها التاريخ ولا يكتفى بالتمهل، يتأملها ويدرسها وينظر فى أسبابها ونتائجها، وثورة مارتن لوثر لم تكن ثورة عادية؛ على نظام حكم فاسد، أو وضع اجتماعى بغيض، بل كانت ثورة على نظام لاهوتى فقد مصداقيته؛ بكل ما يحمله هذا النظام من قوة لا تدانيها قوة سياسية أو اجتماعية.
لهذا استحق مارتن لوثر -الذى ولد فى ألمانيا عام 1483م، وثار على النظام الكنسى الكاثوليكى وهو الذى جمع بين دراسة القانون والشريعة حتى حصل على الدكتوراة فى اللاهوت من جامعة فيتنبرج- أن يحفظ التاريخ ذكره ويبقى رمزاً من رموز الاحتجاج الإصلاحى.
لن ينسى التاريخ الرجل الذى ثار على تجارة الكنيسة الكاثوليكية -فى ذلك الوقت- بالجنة والنار، وبيع صكوك الغفران للمخطئين، بل وتحديد المدة التى سيمكثونها بالجنة أو النار، فنادى بنظريته البروتستانتية ونقد هذا النظام الفاسد وعلق احتجاجاً صارخاً على باب كنيسة مدينة فيتنبرج فى 31 أكتوبر سنة 1517، ضم هذا الاحتجاج 95 اعتراضاً على كنيسة روما، ولم يكتف بهذا بل وانتقد النظام البابوى نفسه، ورأى أن العلاقة يجب أن تكون مباشرة بين الإنسان وربه بدون وسيط وألا يخضع الإنسان إلا لسلطان الكتاب المقدس وحده.
اعتمد لب نظرية لوثر على رأى القديس بولس الذى يقول: إن الإنسان قد لوثته الخطيئة، وإن العمل الصالح لا يمكن أن يطهره من هذه الخطيئة، والإيمان فقط هو الذى يطهره؛ أى إراده الله ورحمته وعفوه فقط الذى يطهره من الخطيئة. ولذلك رأى أن ما تقوم به الكنيسة من بيع العفو للناس أمر يتنافى مع الدين.
أنكر لوثر أن يبقى القسيس بلا زواج مدى حياته فتزوج راهبة وأنجب ستة أطفال، وتوفى سنة 1546 أثناء زيارته لمدينة إيسليبن الألمانية مسقط رأسه .
1) كتب: محمد عبد الخالق
2) شيرين فهمي
3) http://ar.wikipedia.org/wiki