الفصل الرابع :
أشكال التنشئة الإجتماعية :
تأخد التنشئة الإجتماعية شكلين رئيسيين هما :
1 . التنشئة الإجتماعية المقصودة:
ويتم هذا النمط من التنشئة في كل من الأسرة والمدرسة فالأسرة تعلم أبناءها اللغة، وآداب الحديث،
والسلوك، وفق نظامها الثقافي و معاييرها وإتجاهاتها، وتحدد لهم الطرق والأساليب والأدوات التي تتصل بهضم هذه الثقافة وقيمها و معاييرها، كما أن التعلم المدرسي في مختلف مراحله يكون تعليما مقصودا ، له أهدافه وطرقه وأساليبه ونظمه ومناهجه التي تتصل بتربية الفرد وتنشئتهم بطريقة معينة.
2. التنشئة الإجتماعية غير المقصودة :
ويتم هذا النمط من التنشئة من خلال المسجد ووسائل الإعلام والإذاعة والتلفزيون والسنما والمسرح ..وغيرها من المؤسسات التي تسهم في عمليات التنشئة من خلال الأدوار التالية :
* يتعلم الفرد المهارات والمعاني والأفكار عن طريق إكتسابه المعايير الإجتماعية التي تتختلف باختلاف هذه المؤسسات .
* تكسب الفرد الإتجاهات والعادات المتصلة بالحب والكره ، والنجاح والفشل واللعب والتعاون وتحمل المسؤولية .
* تكسب الفرد العادات المتصلة بالعمل والإنتاج والإستهلاك وغير ذالك من أنواع السلوك والإتجاهات والمعايير والمراكز والأدوار الإجتماعية . (1)
مؤسسات التنشئة الإجتماعية :
عن طريق الوسائل أو المؤسسات تتم التنشئة الإجتماعية، فالطفل الذي يولد ، يولد في أسرة تعد الجماعة الأولى التي يتعلم فيها الطفل لغته التي تسمى بحق لغة الأم، وعاداته وتقاليده وقيمه .عن طريق هذه الأسرة بين أحضان الأم تبدأ عملية التنشئة الإجتماعية فيتعلق الطفل بأمه ثم تتدرج به الحياة فيتعلق بأبيه وإخوته وذويه، ثم يستقل إلى حد ما عن أسرته لينتظم في مدرسته، وتتطور تنشأته الإجتماعية من البيت إلى المجتمع عن طريق تلك المدرسة وما تهيئه للطفل من جماعات أخرى تسير به قدما في مدارج تلك التنشئة .
1/ دور الاسرة في التنشئة الإجتماعية :
الأسرة الحديثة هي الأسرة الصغيرة التي تتكون من زوجين وأبنائهما وهي المدرسة الأساسية لكل طفل، لأن ما يتعلم فيها يبقى معه طوال حياته. وعن طريقها يكتسب قيمه الإجتماعية ومعايير سلوكه.
وتعد الأسرة بلا منازع الجماعة الأولية التي تكسب النشىء الجديد خصائصه الإجتماعية الأساسية . أي هي الوسيلة الرئيسة للتنشئة.
ويتأثر الطفل في تنشئته الإجتماعية بالمستوى الإقتصادي والإجتماعي لأسرته ويأثر ذلك المستوى على تحقيق مطالبه. ويختلف أثر تلك التنشئة أيضا تبعا لجنس الطفل. فالأسرة لا تعامل الذكور من الأطفال كما تعامل الإناث.
ويختلف سلوك الأب والأم قبل ولادة الطفل عن سلوكهما بعد ولادته، وبذلك تصبح عملية التنشئة الإجتماعية عملية متبادلة أي عملية تأثير وتأثر. وأن سلوك الوالدين إتجاه الطفل له أثر كبير على تنشئته الإجتماعية
* دور الأم في التنشئة : لقد أعطت مختلف أدبيات علم النفس والإجتماع والتربية وحتى الأدب أولوية وأهمية كبيرة لدور الأم في تنشئة أطفالها ، باعتبارها النموذج والقدوة التي يحتذي به الطفل منذ الصغر من حيث إكتسابه لسلوك أمه منذ البدايات الأولى لحياته ولعله الأمر الذي دفع بالشاعر إلى القول
الأم مدرسة إذا أعددتها *** أعددت شعبا طيب الأعراق
وتكمن أهمية الأم بعتبارها الوحيدة الملازمة لطفلها من الولادة إلى أن يكبر ويبلغ السن التي تؤهله ليكون فردا من أفراد المجتمع.
إن الأم بالنسبة لصغيرها تمثل رمزا للحب والحنان والعطاء غير محدود، فهي المسؤولة عن كل صغيرة وكبيرة تخص أبناءها ولا يبقى حكرا على مرحلة الطفولة بل يستمر إلى حدود المراهقة، لا سيما هذه الأخيرة حيث كثيرا ما يلجأ الأبناء على إختلاف جنسهم ومشاكلهم ومتطلباتهم إلى صدر الأم في مرحلة يكون الأب متمركزا حول ذاته فارضا نوع من الهيبة والإحترام وفي بعض الأحيان يمارس نوعا من التسلط يجعل الأبناء بطريقة غير مباشرة يفرون منه . إن هذه الفترة تجعلنا نستنتج أن أسلوب معاملة الأب في كثيرا من الأحيان هي التي تجعل الأبناء كبارا و صغارا يفرون و يبتعدون عنه وتبقى بذلك العلاقة أحادية الجانب بين الأبناء والأم وبذلك فهي علاقة تشوبها النقص داخل الاسرة .
* دور الاب في التنشئة : إن دور الأب في التنشئة لا يقل أهمية على دور الأم، فدور الأم يبرز كثيرا في الشهور والسنين الأولى من حياة الطفل وقد أدت هذه الأهمية لدور الأم إلى النظر بأن دور الأب هو دور ثانوي، فالأب وإن لم يبرز دوره في المراحل الأولى للطفل فإنه يتضح جليا بطريقة غير مباشرة من حيث توفير المتطلبات المادية وإحتياجات الطفل من حليب وغذاء وكساء وحماية …الخ، وهذه الأشياء تساعد الطفل على النمو جسديا مضافا إليه حنان الأم .
والتربية الاخلاقية والروحية، والتربية الاجتماعية، وتحقيق النمو المعرفي، وأخيراً التربية المهنية.
وفي إطار هذا التنوع الوظيفي للمدرسة يمكن لنا في سياق هذا الفصل ان نعمل على استعراض ثلاثة وظائف أساسية للعملية التربوية في المدرسة وهي:
أ) الوظيفة السياسية. ب) الوظيفة الاقتصادية. ج) الوظيفة الثقافية.
الوظيفة السياسية للمدرسة:*
يرسم كل مجتمع السياسية التي يرتضيها لنفسه، والتي تحقق له غاياته وأهدافه في مختلف مجالات الحياة وميادينها. والسياسة هي أداة المجتمع في توجيه الطاقات والفعاليات المجتمعية نحو أهداف منشودة ومحددة، وهي بالتالي معنية بتحقيق التوازن بين جوانب الحياة الاجتماعية ومؤسساتها المختلفة.
وتقوم بين مؤسسة المدرسة، والمؤسسة السياسية، علاقات جدلية عميقة وجوهرية. فالمؤسسة السياسية معنية بتحديد أهداف التربية وغاياتها وبتحديد استراتيجيات العمل المدرسي ومناهجه، لتحقيق أغراض سياسية اجتماعية قريبة او بعيدة المدى. وغالباً ما ينظر الى المدرسة بوصفها حلقة وسيطة بين العائلة والدولة، لتحقيق الغايات الاجتماعية التي حددها المجتمع لنفسه.
وتبين القراءة التاريخية لعمل المدرسة ووظيفتها بوضوح، أن عمل المدرسة ومهمتها تتغاير بتغاير أنظمة الحكم القائمة والأيديولوجيات السائدة. لقد تحولت المدرسة الى أداة في يد الدولة الماركسية لتحقيق أغراض واستراتيجيات و ايديولوجيات السياسة الماركسية.
وعلى خلاف ذلك تحولت المدرس في المانيا النازية، الى جهاز سياسي يهدف الى تكريس مبادئ النازية، وكان عليها ان تقوم بمهمة تذويب وصهر كافة الثقافات الاجتماعية للشعب الألماني في بوتقة الانتماء الى القومية الألمانية المتعالية.
أما في المجتمعات الليبرالية فإن المدرسة تسعى الى تعزيز قيم الليبرالية الاقتصادية، ومفاهيم الحرية الشخصية، وتكريس العقلية العلمية. وهناك نماذج أخرى متعددة ففي سوريا على سبيل المثال تسعى السياسة التربوية الى تعزيز الانتماء القومي، والأصالة القومية، وتؤكد على أهمية استرجاع الأرض العربية المغتصبة في فلسيطن، او في أي مكان آخر.
فالسياسات التربوية القائمة، لأي من البلدان، تحدد للمدرسة وظائفها ومهماتها وأدواها، وتصوغ لها مناهجها بما ينسجم مع التوجهات السياسية الكبرى للمجتمع المعني. ويتم ذلك كله عبر منظومة من الخطط والاستراتيجيات المتكاملة والموجهة فالسياسة التربوية لمجتمع ما تحدد في إطار سياسته العامة. وتسعى هذه السياسات، في جملة ما تسعى اليه الى تعزيز الايديولوجيات الاجتماعية السائدة وتحقيق الوحدة السياسية للمجتمع. ومن أهم الأدوار السياسية التي تلعبها المدرسة هي:-
1- التأكيد على الوحدة القومية للمجتمع.
2- ضمان الوحدة السياسية.
3- تكريس الايدولوجيا السائدة.
4- المحافظة على بنية المجتمع الطبقية.
5- تحقيق الوحدة الثقافية والفكرية.
الوظيفة الاقتصادية :*
يكمن العامل الاقتصادي في اصل نشوء المدرسة، وخاصة في مرحلة الثورة الصناعية الأولى، التي تطلبت وجود يد عاملة ماهرة قادرة على استخدام التكنولوجيا الحديثة المتطورة. وكان على المدرسة في هذه المرحلة ان تلبي حاجات الصناعة النامية من اليد العاملة المؤهلة. وما تزال المدرسة تسعى الى تلبية احتياجات التكنولوجيا الحديثة من فنيين، وخبراء، وعلماء، وأيد عاملة، لقد بدأت المدرسة ترتبط تدريجيا، وعلى نحو عميق مع المؤسسات الاقتصادية الإنتاجية، ويتجسد ذلك المدارس الفنية والمهنية، التي تتصل بشكل مباشر بعجلة الإنتاج الصناعي المتطور. وغني عن البيان ان المدرسة تلعب دورا هاما في زيادة الدخل القومي، وتحقيق النمو الاقتصادي في البلدان المتطورة النامية على حد سواء. وفي هذا الصدد تشير" دراسة دونيزون التي اجريت في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1962، أن 23% من نسب النمو الاقتصادي، في الولايات المتحدة الأمريكية، يعود الى تطور التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية.
الوظيفة الثقافية للمدرسة :*
تعد الوظيفة الثقافية من أهم الوظائف التي تتولاها المؤسسات المدرسية. فالمدرسة تسعى الى تحقيق التواصل والتجانس الثقافيين في إطار المجتمع الواسع. وتأخذ وظيفة المدرسة الثقافية أهمية متزايدة وملحة كلما ازدادت حدة التناقضات الثقافية والاجتماعية، بين الثقافات الفرعية القائمة في إطار المجتمع الواحد: كالتناقضات الاجتماعية، والعرقية، والجغرافية، وهي التناقضات التي يمكن ان تشكل عامل كبح يعيق تحقيق وحدة المجتمع السياسية، ومدى تواصلة الثقافي وتفاعله الاقتصادي. وقد تجلت أهمية هذه المسالة في مرحلة نشوء وتكون الأسواق القومية في أوروبا في مرحلة الثورات البرجوازية، وهي الثورات التي اقتضت وجود ثقافة واحدة لمجتمع اقتصادي واحد. ولقد لعبت المدرسة، وما تزال تلعب، دورا يتميز بالأهمية في تعزيز لغة التواصل القومي بين جميع أفراد المجتمع وتحقيق الوحدة الثقافية عبر تحقيق التجانس في الأفكار والمعتقدات، والتقاليد والتصورات السائدة في المجتمع الواحدة.
التعاون بين الأسرة والمدرسة:
هناك العديد من المبررات لضرورة التعاون بين الآسرة والمدرسة فى مجال تربية الطفل نذكر منها مايلى:
1-أن التعاون بين هاتين المؤسستين يحقق درجة مقبولة من الفهم المتبادل لدور كل منهما فى مجال تربية الطفل والناشئة ،مما يؤدى إلى زيادة التنسيق وعدم التعارض بينهما ، إذ كثير ما يؤدى التعارض والتناقض فى أدوارهما إلى تكوين صراع نفسي لدى التلميذ
2-أن التعاون بين هاتين المؤسستين يؤدى إلى التخلص من غالبية المشكلات التى قد يواجهها التلاميذ وبخاصة مسألة الغياب عن المدرسة ،أو الفشل فى الامتحانات ،وغيره ، والتى قد تتسبب التسرب الدراسي ، وفى هذا زيادة فى الفاقد التعليمى
3-أن التعاون بين هاتين المؤسستين يؤدى إلى زيادة فهم المدرسة لأوضاع التلاميذ الاجتماعية والاقتصادية والنفسية ،وبالتالي مساعدته على تخطى المشكلات التى قد تواجههم فى هذا المجال، وعلى التكيف مع المجتمع والمدرسة
4-أن التعاون بين هاتين المؤسستين يعطى الفرصة لتوضيح مواقفهما على نحو أفضل فيما يتعلق بتكثيف الواجبات البيتية التى قد يلجأ إليها المعلمين ، والتى قد لا تترك للتلميذ فرصة لنشاطات أخرى غير الدراسة ، ورغبة بعض الأباء فى ترك بعض من وقت أبنائهم للقيام بنشاطات أخرى غير الدراسة إن التنسيق بين المدرسة والبيت فى هذا المجال يؤدى الى راحة التلميذ النفسية وزيادة تحصيلة الدراسى وإلى زيادة حبه للمدرسة وانتمائه إليها
5-إن التعاون بين هاتين المؤسستين يساعد على التلاقح بين ثقافتيهما ، مما يؤدى إلى ارتقاء تطلعات كل منهما إلى مستوى متطلبات العصر الحاضر، بما يحمله من تغيرات ومستجدات قد يقف منها بعض الأباء والمعلمين موقف الرافض لخوفهم من التجديد ،أو موقف المشجع سعيا منهم إلى الحداثة
6-ان التعاون بينهما يجعل خطة العمل التربوي مشتركه بينهما فى ضوء اعتماد أهداف مشتركه توجه العملية التربوية فيهما
المدرسة والمجتمع:
تعتبر المدرسة صورة مصغرة للمجتمع ،وبما ان ثقافة المجتمع قد تشعبت وتعقدت ومتطلبات الحياة قد تزايدت ، فإن كثيرا من الرجال والنساء وحتى الأطفال وجدوا أنفسهم يغادرون منازلهم يوميا للعمل فى المصانع والمصالح التجارية والوظائف الحكومية وغيرها من الوظائف ، وما نتج عنه من شطر العائلة وانقسامها وتشتت الصغار فى العائلة ، وغير ذلك وأشياء أخرى جعلت المجتمع يعزز دور المدرسة ويرفع من قيمتها ، وينصبها وكيلة ونائبة عنه ، تقوم بتنشئة الأجيال وتطبيعهم بطباع المجتمع المعقد0
لقد تبين أن قوة المجتمع واستمراره لاتعتمد فقط على القراءة والكتابة وتعلم العلوم والفنون والإعداد لمعترك الحياة ، إنما يعتمد ذلك الاستمرار وتلك القوة فى البناء الأجتماعى على السلوكيات والاتجاهات والقيم التى تغرسها المدرسة فى الناشئة لخدمة الوطن والمجتمع، والانتماء إليها والتضحية فى سبيلها واحترام العادات والتقاليد والنظم والتعليمات التى يرتضيها المجتمع واحترام أخلاقيات الجماعة
إن المدرسة مطالبة بأن تعمل على التكيف الاجتماعي والثقافي للنشء، ليصبح هؤلاء الأفراد أعضاء عاملين ناجحين ومشاركين فى نهضة مجتمعهم، وهى مطالة كذلك بتوسيع دائرة معارفهم وثقافتهم ليستطيعوا القيام بالأدوار التى تنتظرهم فى الحياة العامه
3/ دور وسائل الإعلام في التنشئة الإجتماعية :
تعددت الأبحاث التي تحاول إكتشاف أثر وسائل الإعلام في التنشئة الإجتماعية ، ومن أهم تلك الوسائل التي شملتها الابحاث المعاصرة : الإذاعة والتلفزيون والأفلام السنمائية والكتب والمجلات …
وقد دلت نتائج أغلب الأبحاث الحديثة على أن الأطفال يقلدون ما يشاهدون من عنف و عدوان في القصص السنمائية والتلفزيونية. وأن مواقف القلق التي تعتمد عليها أحيانا بعض تلك القصص في جلب الإنتباه تثير في نفوس الأطفال أنواعا غريبة من القلق قد يتطور بعضها إلى القلق العصابي المرضي.
ومن الآثار الواضحة لوسائل الإعلام على التنشئة الإجتماعية للإطفال، إشاعة سلوك اللامبالاة وتشويهها للقيم التي نعتمد عليها في تربية جيل المستقبل، إذ كثيرا ما نشاهد أبطال القصص السنمائية والتلفزيونية يحتسون الخمر ويدمنون الشراب في مواجهتهم للمواقف العصيبة التي تمر بها أحداث القصة أو يعتدون على غيرهم أو يقتلون آخرين . وتلك نماذج شريرة وخطيرة نقدمها للناشئة في مواقف العاطفة المتأججة والشهوات المنطلقة من عقالها التي تبعث بكل ما يواجهها من قيم ومعايير وتقاليد.
هذا ولا شك إنه إذا أحسن توجيه وسائل الإعلام فإنها تستطيع أن تصبح أداة فعالة قوية في إرساء القواعد الخلقية والدينة في مجتمع فاضل. وتستطيع أيضا هذه الوسائل أن تسمو بالعقل لتخرج أحسن ما به من تفكير وإبتكار وخيال خصب منتج.
ويؤكد كل من لين و كروس إلى أن الشخص المفضل لدى الأطفال الذكور والإناث في سن الثانية إلى الرابعة هو الأب ، حيث يفضل هؤلاء الأطفال اللعب معه . ويشير بيل إلى أن الأب يلعب دورا هاما في نمو الطفل في مرحلة ما قبل المدرسة.
من خلال هذه الدراسة وغيرها نستنتج أن علاقة الأب بأبناءه ذات أهمية ، وإنما يختلف نوعا ما عن دور الأم . فالأب يعتير سند الأم في التنشئة ولا تستطيع وحدها تعويض أبنائها النقص الذي ينشأ عن تغيبه لأن كل منهما له الدور المنوط به.
*أثر سيطرة أحد الوالدين على التنشئة الإجتماعية :
لسيطرة أحد الوالدين أثر مباشر على نوع الدور الذي يسلكه الطفل في حياته الراهنة والمقبلة . فإذا كان الأب مسيطرا فإن ذلك ينحو بالذكور من الأطفال إلى تقمص دور الأب وبذلك يميلون في سلوكهم إلى النمط الذكري الرجولي. وإذا كانت الأم هي المسيطرة فإن ذلك يؤدي بالأطفال الذكور في الأغلب والأعم إلى السلوك العصابي بل والذهاني أحيانا. وعلى عكس ذلك و إلى حد ما بالنسبة لسلوك الإناث من الأطفال . والولد يقلد الأب لأن الأب هو النموذج الصالح كما يرتضيه له المجتمع، والبنت تقلد الأم لأن الأم هي النموذج الصالح كما يرتضيها لها المجتمع.
وعندما تتعارض سيطرة الأب مع سيطرة الأم ، يواجه الطفل صراعا في إختيار الدور الذي يقلده. وقد ينحرف سلوكه على مسالك لا سوية، وخير نموذج للعلاقات الوالدية الصالحة للتنشئة الإجتماعية السوية هو الذي يشيع في جو الأسرة نوعا من التكامل بين سلوك الأب وسلوك الأم بحيث ينتهي إلى تدعيم المناخ الديمقراطي المناسب لتنشئة أطفال الجيل المقبل.
2/ دور المدرسة في التنشئة الإجتماعية :
تعد المدرسة بحق الوكالة الاجتماعية الثانية، بعد الأسرة، للقيام بوظيفة التنشئة الاجتماعية للأطفال، والأجيال الشابة. حيث تقوم المدرسة بإعداد الأجيال الجديدة روحيا ومعرفيا وسلوكيا وبدنيا وأخلاقيا ومهنياً، وذلك من اجل ان تحقق للافراد اكتساب عضوية الجماعة والمساهمة في نشاطات الحياة الاجتماعية المختلفة. وتعمل المدرسة، اليوم على تحقيق عدد كبير من المهام التربوية. ومن بين هذه المهام التي تقوم بها يمكن ان نذكر على سبيل المثال، وليس الحصر، جملة من الوظائف أبرزها: تحقيق التربية الفنية، والتي تتمثل في الموسيقى والرسم والأنشطة الفنية الأخرى، ثم التربية البدنية،
والتربية الاخلاقية والروحية، والتربية الاجتماعية، وتحقيق النمو المعرفي، وأخيراً التربية المهنية.
وفي إطار هذا التنوع الوظيفي للمدرسة يمكن لنا في سياق هذا الفصل ان نعمل على استعراض ثلاثة وظائف أساسية للعملية التربوية في المدرسة وهي:
أ) الوظيفة السياسية. ب) الوظيفة الاقتصادية. ج) الوظيفة الثقافية.
الوظيفة السياسية للمدرسة:*
يرسم كل مجتمع السياسية التي يرتضيها لنفسه، والتي تحقق له غاياته وأهدافه في مختلف مجالات الحياة وميادينها. والسياسة هي أداة المجتمع في توجيه الطاقات والفعاليات المجتمعية نحو أهداف منشودة ومحددة، وهي بالتالي معنية بتحقيق التوازن بين جوانب الحياة الاجتماعية ومؤسساتها المختلفة.
وتقوم بين مؤسسة المدرسة، والمؤسسة السياسية، علاقات جدلية عميقة وجوهرية. فالمؤسسة السياسية معنية بتحديد أهداف التربية وغاياتها وبتحديد استراتيجيات العمل المدرسي ومناهجه، لتحقيق أغراض سياسية اجتماعية قريبة او بعيدة المدى. وغالباً ما ينظر الى المدرسة بوصفها حلقة وسيطة بين العائلة والدولة، لتحقيق الغايات الاجتماعية التي حددها المجتمع لنفسه.
وتبين القراءة التاريخية لعمل المدرسة ووظيفتها بوضوح، أن عمل المدرسة ومهمتها تتغاير بتغاير أنظمة الحكم القائمة والأيديولوجيات السائدة. لقد تحولت المدرسة الى أداة في يد الدولة الماركسية لتحقيق أغراض واستراتيجيات و ايديولوجيات السياسة الماركسية.
وعلى خلاف ذلك تحولت المدرس في المانيا النازية، الى جهاز سياسي يهدف الى تكريس مبادئ النازية، وكان عليها ان تقوم بمهمة تذويب وصهر كافة الثقافات الاجتماعية للشعب الألماني في بوتقة الانتماء الى القومية الألمانية المتعالية.
أما في المجتمعات الليبرالية فإن المدرسة تسعى الى تعزيز قيم الليبرالية الاقتصادية، ومفاهيم الحرية الشخصية، وتكريس العقلية العلمية. وهناك نماذج أخرى متعددة ففي سوريا على سبيل المثال تسعى السياسة التربوية الى تعزيز الانتماء القومي، والأصالة القومية، وتؤكد على أهمية استرجاع الأرض العربية المغتصبة في فلسيطن، او في أي مكان آخر.
فالسياسات التربوية القائمة، لأي من البلدان، تحدد للمدرسة وظائفها ومهماتها وأدواها، وتصوغ لها مناهجها بما ينسجم مع التوجهات السياسية الكبرى للمجتمع المعني. ويتم ذلك كله عبر منظومة من الخطط والاستراتيجيات المتكاملة والموجهة فالسياسة التربوية لمجتمع ما تحدد في إطار سياسته العامة. وتسعى هذه السياسات، في جملة ما تسعى اليه الى تعزيز الايديولوجيات الاجتماعية السائدة وتحقيق الوحدة السياسية للمجتمع. ومن أهم الأدوار السياسية التي تلعبها المدرسة هي:-
1- التأكيد على الوحدة القومية للمجتمع.
2- ضمان الوحدة السياسية.
3- تكريس الايدولوجيا السائدة.
4- المحافظة على بنية المجتمع الطبقية.
5- تحقيق الوحدة الثقافية والفكرية.
الوظيفة الاقتصادية :*
يكمن العامل الاقتصادي في اصل نشوء المدرسة، وخاصة في مرحلة الثورة الصناعية الأولى، التي تطلبت وجود يد عاملة ماهرة قادرة على استخدام التكنولوجيا الحديثة المتطورة. وكان على المدرسة في هذه المرحلة ان تلبي حاجات الصناعة النامية من اليد العاملة المؤهلة. وما تزال المدرسة تسعى الى تلبية احتياجات التكنولوجيا الحديثة من فنيين، وخبراء، وعلماء، وأيد عاملة، لقد بدأت المدرسة ترتبط تدريجيا، وعلى نحو عميق مع المؤسسات الاقتصادية الإنتاجية، ويتجسد ذلك المدارس الفنية والمهنية، التي تتصل بشكل مباشر بعجلة الإنتاج الصناعي المتطور. وغني عن البيان ان المدرسة تلعب دورا هاما في زيادة الدخل القومي، وتحقيق النمو الاقتصادي في البلدان المتطورة النامية على حد سواء. وفي هذا الصدد تشير" دراسة دونيزون التي اجريت في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1962، أن 23% من نسب النمو الاقتصادي، في الولايات المتحدة الأمريكية، يعود الى تطور التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية.
الوظيفة الثقافية للمدرسة :*
تعد الوظيفة الثقافية من أهم الوظائف التي تتولاها المؤسسات المدرسية. فالمدرسة تسعى الى تحقيق التواصل والتجانس الثقافيين في إطار المجتمع الواسع. وتأخذ وظيفة المدرسة الثقافية أهمية متزايدة وملحة كلما ازدادت حدة التناقضات الثقافية والاجتماعية، بين الثقافات الفرعية القائمة في إطار المجتمع الواحد: كالتناقضات الاجتماعية، والعرقية، والجغرافية، وهي التناقضات التي يمكن ان تشكل عامل كبح يعيق تحقيق وحدة المجتمع السياسية، ومدى تواصلة الثقافي وتفاعله الاقتصادي. وقد تجلت أهمية هذه المسالة في مرحلة نشوء وتكون الأسواق القومية في أوروبا في مرحلة الثورات البرجوازية، وهي الثورات التي اقتضت وجود ثقافة واحدة لمجتمع اقتصادي واحد. ولقد لعبت المدرسة، وما تزال تلعب، دورا يتميز بالأهمية في تعزيز لغة التواصل القومي بين جميع أفراد المجتمع وتحقيق الوحدة الثقافية عبر تحقيق التجانس في الأفكار والمعتقدات، والتقاليد والتصورات السائدة في المجتمع الواحدة.
التعاون بين الأسرة والمدرسة:
هناك العديد من المبررات لضرورة التعاون بين الآسرة والمدرسة فى مجال تربية الطفل نذكر منها مايلى:
1-أن التعاون بين هاتين المؤسستين يحقق درجة مقبولة من الفهم المتبادل لدور كل منهما فى مجال تربية الطفل والناشئة ،مما يؤدى إلى زيادة التنسيق وعدم التعارض بينهما ، إذ كثير ما يؤدى التعارض والتناقض فى أدوارهما إلى تكوين صراع نفسي لدى التلميذ
2-أن التعاون بين هاتين المؤسستين يؤدى إلى التخلص من غالبية المشكلات التى قد يواجهها التلاميذ وبخاصة مسألة الغياب عن المدرسة ،أو الفشل فى الامتحانات ،وغيره ، والتى قد تتسبب التسرب الدراسي ، وفى هذا زيادة فى الفاقد التعليمى
3-أن التعاون بين هاتين المؤسستين يؤدى إلى زيادة فهم المدرسة لأوضاع التلاميذ الاجتماعية والاقتصادية والنفسية ،وبالتالي مساعدته على تخطى المشكلات التى قد تواجههم فى هذا المجال، وعلى التكيف مع المجتمع والمدرسة
4-أن التعاون بين هاتين المؤسستين يعطى الفرصة لتوضيح مواقفهما على نحو أفضل فيما يتعلق بتكثيف الواجبات البيتية التى قد يلجأ إليها المعلمين ، والتى قد لا تترك للتلميذ فرصة لنشاطات أخرى غير الدراسة ، ورغبة بعض الأباء فى ترك بعض من وقت أبنائهم للقيام بنشاطات أخرى غير الدراسة إن التنسيق بين المدرسة والبيت فى هذا المجال يؤدى الى راحة التلميذ النفسية وزيادة تحصيلة الدراسى وإلى زيادة حبه للمدرسة وانتمائه إليها
5-إن التعاون بين هاتين المؤسستين يساعد على التلاقح بين ثقافتيهما ، مما يؤدى إلى ارتقاء تطلعات كل منهما إلى مستوى متطلبات العصر الحاضر، بما يحمله من تغيرات ومستجدات قد يقف منها بعض الأباء والمعلمين موقف الرافض لخوفهم من التجديد ،أو موقف المشجع سعيا منهم إلى الحداثة
6-ان التعاون بينهما يجعل خطة العمل التربوي مشتركه بينهما فى ضوء اعتماد أهداف مشتركه توجه العملية التربوية فيهما
المدرسة والمجتمع:
تعتبر المدرسة صورة مصغرة للمجتمع ،وبما ان ثقافة المجتمع قد تشعبت وتعقدت ومتطلبات الحياة قد تزايدت ، فإن كثيرا من الرجال والنساء وحتى الأطفال وجدوا أنفسهم يغادرون منازلهم يوميا للعمل فى المصانع والمصالح التجارية والوظائف الحكومية وغيرها من الوظائف ، وما نتج عنه من شطر العائلة وانقسامها وتشتت الصغار فى العائلة ، وغير ذلك وأشياء أخرى جعلت المجتمع يعزز دور المدرسة ويرفع من قيمتها ، وينصبها وكيلة ونائبة عنه ، تقوم بتنشئة الأجيال وتطبيعهم بطباع المجتمع المعقد0
لقد تبين أن قوة المجتمع واستمراره لاتعتمد فقط على القراءة والكتابة وتعلم العلوم والفنون والإعداد لمعترك الحياة ، إنما يعتمد ذلك الاستمرار وتلك القوة فى البناء الأجتماعى على السلوكيات والاتجاهات والقيم التى تغرسها المدرسة فى الناشئة لخدمة الوطن والمجتمع، والانتماء إليها والتضحية فى سبيلها واحترام العادات والتقاليد والنظم والتعليمات التى يرتضيها المجتمع واحترام أخلاقيات الجماعة
إن المدرسة مطالبة بأن تعمل على التكيف الاجتماعي والثقافي للنشء، ليصبح هؤلاء الأفراد أعضاء عاملين ناجحين ومشاركين فى نهضة مجتمعهم، وهى مطالة كذلك بتوسيع دائرة معارفهم وثقافتهم ليستطيعوا القيام بالأدوار التى تنتظرهم فى الحياة العامه
3/ دور وسائل الإعلام في التنشئة الإجتماعية :
تعددت الأبحاث التي تحاول إكتشاف أثر وسائل الإعلام في التنشئة الإجتماعية ، ومن أهم تلك الوسائل التي شملتها الابحاث المعاصرة : الإذاعة والتلفزيون والأفلام السنمائية والكتب والمجلات …
وقد دلت نتائج أغلب الأبحاث الحديثة على أن الأطفال يقلدون ما يشاهدون من عنف و عدوان في القصص السنمائية والتلفزيونية. وأن مواقف القلق التي تعتمد عليها أحيانا بعض تلك القصص في جلب الإنتباه تثير في نفوس الأطفال أنواعا غريبة من القلق قد يتطور بعضها إلى القلق العصابي المرضي.
ومن الآثار الواضحة لوسائل الإعلام على التنشئة الإجتماعية للإطفال، إشاعة سلوك اللامبالاة وتشويهها للقيم التي نعتمد عليها في تربية جيل المستقبل، إذ كثيرا ما نشاهد أبطال القصص السنمائية والتلفزيونية يحتسون الخمر ويدمنون الشراب في مواجهتهم للمواقف العصيبة التي تمر بها أحداث القصة أو يعتدون على غيرهم أو يقتلون آخرين . وتلك نماذج شريرة وخطيرة نقدمها للناشئة في مواقف العاطفة المتأججة والشهوات المنطلقة من عقالها التي تبعث بكل ما يواجهها من قيم ومعايير وتقاليد.
هذا ولا شك إنه إذا أحسن توجيه وسائل الإعلام فإنها تستطيع أن تصبح أداة فعالة قوية في إرساء القواعد الخلقية والدينة في مجتمع فاضل. وتستطيع أيضا هذه الوسائل أن تسمو بالعقل لتخرج أحسن ما به من تفكير وإبتكار وخيال خصب منتج.
المراجع
: الكتب
* إبن المنظور . أبو الفضل جمال الدين . لسان العرب. بيروت : دارالطباعة والنشر . ج3.
1997
* سلوى عبد المجيد الخطيب . نظرة معاصرة في علم الإجتماع المعاصر. القاهرة : مطبعة النيل للطباعة والنشر والتوزيع . 2024
*محمد محمد نعيمة . التنشئة الإجتماعية وسمات الشخصية . الإسكندرية : دار الثقافة العلمية للطباعة والنشر والتوزيع. 2024
* حسين أحمد عبد الله آل درويش القطيف.مقال في التنشئة العقلية والنفسية والروحية للطفل. جامعة الملك فيصل . المملكة العربية السعودية.
*د. فؤاد البهي السيد. علم النفس الإجتماعي. دار الكتب الحديث .ط 2 . الكويت
المجلات الإلكترونية :
مجلة شبكة النبأ المعلوماتية . التنشئة الإجتماعية وأهدافها . مؤسسة المستقبل للثقافة والإعلام في
www.annabaa.org لبنان.
الرسائل الجامعية:
* أحمد بوذراع . علاقة الاسرة والتنشئة الإجتماعية بالعنف المدرسي. رسالة ماجيستير.كلية العلوم الإجتماعية والإنسانية.قسم علم الإجتماع جامعة الحاج لخضر .باتنة .2017/2017
* رابح حروش. أساليب التنشئة الأسرية وإنعكاساتها على المراهق.رسالة ماجيستير.كلية العلوم الإجتماعية والإنسانية.قسم علم الإجتماع. بباتنة.2017/2017