يعد دماغ الإنسان كما يصفه روبرت سيلفتر بأنه الأكثر تنظيماً بين المواد الحية في هذا العالم. فالدماغ هو المسئول عن إبداعات الإنسان و إختراعاته في مختلف المجالات، وذلك من خلال المؤثرات البيئية التي لها علاقة مباشرة بالدماغ، حيث يقوم المناخ المحيط للطفل بحفز الخلايا العصبية في الدماغ على العمل خلال السنوات الأولى من العمر. بما يضمن للدماغ نمواً يصل بالطفل لكامل نمو قدراته.
فالدماغ ينمو في السنوات الأولى من العمر بشكل لا مثيل له ولا حتى في أي مرحلة من مراحل العمر، وذلك نظراً لحدوث تغيرات جذرية وغير محسوسة في السنوات الخمس الأولى.
لذا يتطلب الأمر البدء مبكراً مع الطفل لإعطائه فرصة تعليم وتفتيق مواهبه إستغلالاً لفترة نمو الدماغ خلال الخمس سنوات الأولى.
وقد أثبتت الأبحاث الحديثة في هذا المجال أن دماغ الإنسان لديه مرونة كبيرة جداً لتطور(المرونة المخية) وبالأخص خلال مرحلة الطفولة المبكرة. وبالتالي يكون للبيئة دور كبير في تطور الدماغ أو تدهوره.
تعريف الدماغ:
عندما نسعى إلى تعريف الدماغ يتبادر إلى الذهن العقل والمخ، فهناك إزدواجية وتداخل- يرى البعض-أنه يتم الإصطدام بها عند تعريف المصطلحات الثلاثة الدماغ والعقل والمخ، فالعامة ترى أن تعريف تلك المصطلحات ما هو إلا تعريف واحد دارج، فهي ترى أن الدماغ هو العقل وهو أيضاً المخ، ولكن الحقائق العلمية تشير إلى غير ذلك.
وطالما أننا بصدد الحديث عن الطفل، فيمكن القول أن عقل الطفل عبارة عن حزمة مدهشة من الأعصاب تنتظر فقط التمدد في الدوائر المعقدة التي نسميها (دماغ)، وذلك بدءاً من ساعة الميلاد وحتى سن العاشرة أو الثانية عشر حين تكتمل التمديدات وإلى نهاية العمر(1).
وبالتالي الدماغ ليس العقل، بل أداة العقل في الجسم البشري، من خلاله يتصل العقل بالجسم لإيصال الرسائل والأوامر إليه، لأن الدماغ هو الآلة المنفذة لإرادة العقل، ووسيط التركيز الذهني. كما أن الدماغ أشبه بمرآة تعكس أعمال الفكر، والفكر جزء من العقل، وظيفته وصل الجسد بالعقل، أي ربط الجسم المادي بالجسم العقلي (ذبذبياً عبر الدماغ).
فالعقل جسم باطني خفي، ذو بعد وعي خاص به، شأنه شأن أبعاد وعي سائر الأجسام الباطنية،أو المكونات الخفية في الكيان الإنساني.
من جهة أخرى، والدماغ ليس إلا وسيلة أو أداة لعمل الوعي، والوعي يعبر عن نفسه عبر الدماغ، لتظهر نتائجه أفكاراً و أحاسيس و مشاعر و إنفعالات و تحركات في الكائن البشري.
وبذلك يتضح أن الدماغ ليس العقل، بل أداته أو وسيطه في عالم الجسد. والعقل أجد أبعاد الوعي أو أجهزته في الإنسان،فهو ما يبرمج عمل الدماغ، فيما الفكر جزء من العقل.
وأيضاً الدماغ ليس المخ بإعتبار المخ هو أحد مكونات الدماغ، حيث أن الدماغ يتكون من أربعة أجزاء رئيسية هي:المخ- جذع المخ(يتضمن الدماغ الأوسط والجسر والنخاع المستطيل)- المخيخ – الدماغ البيني.
تركيب الدماغ:
يتركب الجهاز العصبي المركزي من الدماغ والحبل (النخاع) الشوكي، ويتحكم الدماغ بجميع الوظائف الحيوية الإرادية وغير الإرادية بالجسم، بما في ذلك الحواس المختلفة و الذاكرة و التفكير و الحركة، كما يتحكم بوظائف مختلف الأعضاء الأخرى بالجسم، ويتواجد الدماغ ضمن الجمجمة التي تقوم بحمايته، بينما تقوم عظام العمود الفقري(Vertebral Column) بحماية الحبل الشوكي،ويحيط السائل المخي الشوكي (Cerebrospinal Fluid) بكل من الدماغ والحبل الشوكي مما يؤمن لهما حماية إضافية، ويتواجد بفراغات حولهما و بتجاويف داخل الدماغ تعرف بالبطينات المخية (Ventricles) وهو سائل دماغي صافي يشبه الماء ويحتوي على بروتينات وجلوكوز ويوريا وبعض الأملاح، ويتم إنتاجه بالضفائر المشيمية بالدماغ (Choroid Plexus)، ومن جهة أخرى يقوم الحبل الشوكي وشبكة عصبية خاصة تعرف بالأعصاب القحفية (Cranial nerves) بنقل الرسائل العصبية مابين الدماغ وباقي أعضاء الجسم .
ويتركب الدماغ من أربعة أجزاء رئيسية تشمل:
1- المخ (Cerebrum ).
2- الدماغ البيني (Diencephalons ).
3- المخيخ (Cerebellum ).
4- جذع الدماغ (Brain Stem ) والذي يتضمن:-
أ- الدماغ الأوسط (Midbrain ).
ب- الجسر (Pons ).
ج- النخاع المستطيل (Medulla Oblongata ).
ويختص كل منها بأدارة وظائف محددة بالجسم، وبطبيعة الحال تتعطل هذه الوظائف وتختل عند نشوء أي مرض أو علة بالجسم.
ويتألف الدماغ من خلايا تدعى العصبونات، أما عددها فلم تتفق الدراسات على عدد محدد فبعضها يقدرها بـ10- 15 بليون خلية (عصبون)، والبعض 100مليار خلية، والبعض الآخر 100-200بليون خلية .
وفي مراحل معينة من تطور الجنين قبل الولادة، تنمو الخلايا أو في الواقع يتم خلق حوالي ربع مليون عصبون في الدقيقة الواحدة. ومع حلول موعد الولادة يكون عدد العصبونات اللازمة لحياة الفرد قد أصبح مكتملاً و ثابتاً. فكل منا يبدأ حياته بعدد من الخلايا الدماغية ولا يمكننا زيادة هذا العدد بأي حال من الأحوال (2).
ولذلك قد يبدو من الصعوبة بمكان فهم أن يكون معدل هذه الخلايا والذي يبلغ10000خلية (عصبون) في اليوم من ساعة الولادة وحتى الوفاة بأنه أمر عادل . حيث تموت الخلايا بسبب مرض أو عطب أو إنهاك أو موت طبيعي، وما يستخدم من هذه الخلايا لا تزيد نسبته عن 5-10% مما هو متوفر لدينا حسب ما قدره الأطباء المتخصصون، ولذلك فإنه بمقدورنا تحمل فقدان أعداد كبيرة قبل أن يصبح الأمر خطيراً(3).
تطورالدماغ:
وضحت البحوث الطبية أن فترة أسرع نمو و تطور للدماغ هي في السنوات القليلة الأولى من حياة الطفل، وإن ما يمر به الطفل في المرحلة الأولى من طفولته أثر دائم على قدرة ذلك الطفل على التعلم في المستقبل.
حيث يبدأ الدماغ بالظهور مبكراً عند الجنين ويكون خلال خمسة وعشرين يوماً مرئيا حيث يبدو على شكل أنبوب ملتف حول نفسه و في الشهر الثالث يأخذ الدماغ شكله المحدد تقريباً. حيث تبدأ خلاياه بالتكاثر بمعدل متوسط قدره ثلاث مائة خلية في الدقيقة.
و في الشهر الخامس تبدأ التلافيف المخية والأخاديد(الخيوط) للسطح المخي بالظهور. ولكن يبقى العلم يتساءل أمام ظاهرة كيفية تكون الخلايا العصبية بصورة تلقائية داخل الدماغ لتشكل المناطق المميزة والخاصة. حيث تنشأ فيها مجاميع تحتوي على مليارات الخلايا العصبية ويزن دماغ الجنين عند الولادة 350 غرام تقريباً أي ما يساوي ربع وزنه الذي يصل إليه عند الكبر. فمنذ بداية ولادة الجنين يأخذ الدماغ بالنمو بصورة سريعة وضمن النظام الموزون والسريع في نفس الوقت، وعند بلوغ الجنين الشهر السادس يكون الدماغ قد تضاعف وزناً وطولاً. ولكن لا تنمو جميع مناطق أو أقسام الدماغ في هذا الوقت بإنتظام و إطراد كما في موضوعين مثلاً: يكون نمو التراكيب العميقة للدماغ أسرع من نمو القشرة الدماغية الخارجية، فهذه المنطقة الرئيسية (الدماغ) هي الأساس في تكوين الإنسان وتحديد مستقبله. فمنه تنبع القدرة على الكتابة و القراءة و قابلية التفكير.
والدماغ يبداء بالتفتح بصورة كاملة في سن الخامسة عشر أو سن السادسة عشر(سن البلوغ )، عندها يزن الدماغ (1400 ) غرام فخلال عملية النضج البطيئة هذه تستمر الخلايا العصبيه في التنظيم حيث تقوم بزيادة عدد تفرعاته وزيادة نقاط الإشتباك العصبي التي تقوم بالتعامل مع المعلومات القادمة من الوسط الخارجي.
وظائف الدماغ:
إن طبيعة الدماغ هي نتاج تفاعل بين العوامل الوراثية و العوامل البيئية، أما الأجزاء الرئيسية للدماغ فهي موجودة منذ ولادة الفرد، ومن الناحية التشريحية لا يطرأ على الدماغ أدنى تغيير، بينما نمو خبرات الأفراد الهائل فإنه يظهر من خلال العمليات العصبية و تكوين الشبكات و التشابكات العصبية، وتشكيل الغمد المليني أو النخاعي، والإنحدار نحو البلوغ. وعمليات الدماغ تنمو وتتطور أو تخبو وتتباطأ إعتماداً على طبيعة البيئة المحيطة بالطفل، فإثارة العمليات العصبية وتنشيطها تؤدي إلى نموها وتطورها وإبقائها خاملة راكدة دون تنشيط يؤدي إلى فقدانها(4).
وهناك نوعين من النماذج الشائعة لوظائف الدماغ:
أولاً:نموذج الدماغ الثلاثي:
لقد أمضى الدكتور بول ماكلين (رئيس مختبر تطور الدماغ والسلوك في المعهد القومي للصحة العقلية) الثلاثين عام الماضية وهو يطور نظرية تقوم على تقسيم الدماغ إلى ثلاثة أقسام:الدماغ الزاحف، والدماغ الحركي، والدماغ اللحائي.
ويقع الدماغ الزاحف فوق جذع الدماغ تماماً وهو المسئول عن الوظائف المتعلقة بغريزة البقاء ومتطلبات الدفاع عن النفس وبعض الوظائف البيولوجية التلقائية.
أما الدماغ الحركي ويعرف بالعقل العاطفي، فيقع في وسط الدماغ، وتكمن وظائفه في تحفيز الذاكرة أو إحباطها. و يقع في النظام الحركي كل من مشاعر القلق و الغضب و السرور و الحزن والعواطف الخاصة والهوية الشخصية.
بينما الدماغ اللحائي وهو الجزء الثالث ويشغل المساحة الأكبر من الدماغ، فهو يقوم بإحاطة الجزئين الآخرين، وفيه تتم معالجة المادة الحسية، ويختلف الدماغ اللحائي عن الدماغ الزاحف والدماغ الحركي بأن لديه القدرة على التواصل الكلامي و يقوم بمعالجة المسائل المتعلقة و التفكير التحليلي و القراءة و الكتابة و العمليات الرياضية(5).
ماسبق عرض مبسط لنموذج مكلين، والذي يتضح من خلاله أنه يمكن لأجزاء الدماغ الثلاثة أن يطغى آحدها على الآخر، خاصة في حالة حدوث مشكلات أو صعوبات بسبب إختلاف أو تضاد تلك الأجزاء، مما يؤدي إلى عدم قيامها بالعمل بإنسجام.
على سبيل المثال: إذا كان الطفل متعب ومرهق أو جائع لا يمكن إجباره على التعلم، لأنه لا يمكن له التعلم وهو على هذه الحالة.
و قد أكدت البحوث العلمية التي أجريت على الدماغ صحة ذلك. حيث يرسل الدماغ الزاحف إشارات تؤدي إلى التقليل من معدل عمل أجزاء محددة من النظام الحركي وأجزاء أكبر من اللحائي. كما يبدو أن القدرات الدماغية مخصصة أساساً للحفاظ على بقاء الإنسان وراحته، ولا يمكنها أن تتحرك للقيام بأعمال عقلية معقدة إلا إذا تأكدت من ضمان وجود بقاء الإنسان وراحته(6).
مثال آخر: عندما يثور الطفل غاضباً أو يمر بفترة حزن أو خوف شديدين، هنا يبادر النظام الحركي ويرسل إشارات محددة إلى النظام اللحائي تؤدي إلى منع الوظيفة اللحائية (قشرة الدماغ). وهنا تتغلب إشارة المواجهة أو الهروب على إشارة التفكير المنطقي وحل المشكلات أو الألغاز(7).
لذا يجب على المربين والوالدين عدم إجبار الطفل على التعليم طالما أنه يعاني حالة من الحالات السابقة كالجوع أو التعب أو الحزن أو الغضب أو الخوف….الخ، لأنه لا يستطيع أن يتعلم وهو يعاني حالة أو أكثر من تلك الحالات، حتى يشعر الطفل بالأمان ويرتاح نفسياً وجسمياً، و ربما يكون شعور الطفل بالخوف أو الذعر أو القلق لا أساس له من جهة نظر المربي أو أي إنسان آخر. إلا أنه يعد حقيقي بالنسبة للطفل، فربما ما يخيفه أو يقلقه شيء خيالي لا وجود له، ولكن شعوره بالخوف أو الذعر أو القلق شعور حقيقي.
والعلاج هنا ليس أن نصور للطفل أن يشعر وهم وخيال لا أساس له، لأنه على يقين بأنه حقيقي، ولكن في إعطاءه الشعور بالأمان والحماية له بغض النظر عما سيحدث. وبالتالي إحساس الطفل بالطمائنينة تجعله يشعر بالراحة النفسية والجسمية،وبذلك تتلاشى معاناته.
ومن جانب آخر فإن الدماغ يعمل بكفاءة أعلى وأفضل، عندما تقدم له معلومات جديدة و مثيرة بطرق مقبولة وسلسلة بسيطة.
والمثال على ذلك: حينما يكون الطفل في حالة يقظة و إنتباه و تركيز وفي وضع مريح للغاية نفسياً وجسمياً، فإن لديه القدرة على تقديم أعمال إبداعية، وقدرة على إسترجاع المعلومات وتذكيرها، والتفكير المنطقي.
كما يمكن أن نستدل من نظرية مكلين أن الطفل أكثر قدرة من والديه على إكتشاف المهارات و النشاطات و المواهب .
والمثال على ذلك: طفل لديه موهبة رسم فإنه يبذل كل ما يملكه من نشاط و مايتمتع به من مهارات ومواهب ليظهر إبداعاته، ودور الوالدين يكمن في توفير الإمكانات والإحتياجات والتشجيع والتحفيز، ولا يمكن هنا التأكد من نجاحه فربما يفشل بسبب آليات دماغه، وإن حقق النجاح وأصبح في المستقبل رسام مشهور فإنه كان للتشجيع والتحفيز دور في هذا النجاح، إلا أنهما ليس على درجة كبيرة من الاهمية في البداية ، نظراً لأن
الموهبة والمهارة لها وجود مسبق داخل كيان الطفل ، ولكن تم تأصيلها نتيجة مؤثرات خارجية .
ثانياً: نموذج نصف الدماغ المتخصص :
نظرية نصف الدماغ المتخصص هي تفسير إلى حد ما كيف تعمل القشرة اللحائية عندما تكون الظروف مواتية لها تماماً.
وتنقسم القشرة اللحائية إلى قسمين(8):
1-نصف الدماغ الأيمن: هو مسئول عن تنظيم النصف الأيسر من جسم الإنسان و ضبط أدائه.
2-نصف الدماغ الأيسر: وهو مسئول عن النصف الأيمن من جسم الإنسان وعن تنظيم أنماط التعلم التي تنطوي على التحليل.
و كل نصف من نصفي الدماغ متخصص من نوع محدد من الوظائف، وذلك ضرورة توافر خبرات تربوية مختلفة يتناسب جزء منها مع النصف الأيمن والجزء الآخر يتناسب مع النصف الأيسر مع نصفي الدماغ.
والغريب أن هذه الوظائف متشابهة للوظائف الجسمية أي أن كل نصف قد وكل بوظائف مضادة لتلك الوظائف التي وكل بها النصف الآخر، ويمكن إدراج هذه الوظائف تحت ست محاور هي كالتي(9):
1- الأجزاء والكل:
إن النصف الأيسر من الدماغ مسئول عن التفكير ذي الإتجاه الواحد، إذ يتعامل هذا النصف مع المعلومات في خط واحد مستقيم مبتدئاً من الأجزاء ومتقدماً نحو الكل. أي يأخذ الأجزاء أولاً ثم يدرجها بطريقة ما مشكلاً بينها علاقة من نوع خاص وبطريقة منطقية ثم يرسم النتائج.
أما النصف الأيمن منه فهو مسئول عن مهمات التفكير ذي الإتجاهات المتعددة الذي يبدأ بالكل وينتهي بالأجزاء،فالتعامل بالكل هو الذي يشكل الأساسي، إنه يبدأ بالجواب أولاً. إنه يرى الصورة ككل وليس الأجزاء.
مثال على ذلك: تضع المعلمة أمام الأطفال كرسي وتطلب التحدث عنه.
الطفل الذي يستخدم النصف الأيسر من الدماغ يتكلم عن مكونات الكرسي(الأجزاء) مثل الخشب والمسامير والمنشار والمطرقة….الخ ، ومن ثم يكمل لنا كيف يتم صنع الكرسي.
بينما الطفل الذي يستخدم النصف الأيمن من الدماغ فإنه يقول هذا الكرسي نجلس عليه وهناك أنواع وأشكال مختلفة ولكنه يجد صعوبة في تتبع عملية صنع الكرسي أو مكونات الكرسي.
2- التنظيم والعشوائية:
النصف الأيسر من الدماغ يعمل بنظام وتنظيم وترتيب وتتبع متعاقب – بينما النصف الأيمن من الدماغ يعمل بشكل عشوائي وينتقل من مهمة إلى أخرى قبل إكمالها. و يهتم بالكيفية دون النوعية.
مثال على ذلك:
الطفل الذي يستخدم النصف الأيسر من الدماغ يفضل نظام للمذاكرة و ينزعج من الفوضى فيفضل أن تضع له المعلمة خطة يومية داخل الروضة، وتضع له الأم خطة يومية داخل المنزل فهو مثلاً يرغب أن يبدأ بكتابة الواجبات وبعد الإنتهاء منها خلال ساعة مثلاً يبدأ يذاكر دروسه مبتدئاً مثلاً بالقرآن فيأخذ في تهجئ الكلمات حرف حرف ، حتى ينطق الكلمات صحيحة ولا يرغب أن يساعده أحد في قراءة الآيات أو السورة بسلاسة دون تهجي، لأنه يرغب في التهجي الذي يتطلب التنظيم و الترتيب ثم ينتقل إلى مادة أخرى تتطلب التهجي أيضاً كالقراءة ثم ينتقل حسب الخطة الموضوعية إلى الرياضيات و التي تتطلب تفكير رياضي منظم حيث يرغب في حل بعض المفاهيم الرياضية جزء جزء حتى يتوصل إلى الإجابة الصحيحة.
أما النصف الأيمن من الدماغ يحب التخبط العشوائي دون وضع خطة منظمة، ويمل من الإستمرار في مادة واحدة حتى إنهائها، فنجده يبدأ مثلاً بالرياضيات وقبل أن يتوصل إلى حل لبعض المفاهيم الرياضية ينتقل إلى القرآن و قبل أن ينهي حفظ السورة ينتقل إلى القراءة فيقرأ بسرعة ويود معرفة الكلمات دون أن يتهجى الحروف وينطقها.
وهكذا نجده ينتقل من مادة إلى أخرى قبل أن ينهي الأولى ، وكذلك حاله أثناء فترة العمل الحر في الأركان التعليمية فنجده ينتقل من ركن إلى ركن فلا يكاد يستقر في ركن المطالعة حتى يغلق ما بيده وينتقل إلى ركن التعبير الفني فيبدأ بالرسم مثلاً،وقبل الأنتهاء من رسم لوحته ينتقل إلى ركن آخر وهكذا.
وعلى العكس من ذلك فالطفل الذي يستخدم النصف الأيسر يختار ركن تعليمي معين كركن التعبير الفني ولا يغادره حتى ينجز العمل الذي بدأه وبالتالي يساعده هذا الركن على دعم التعليم الذاتي وصقل مهاراته لأنه يقضي فيه الوقت الكافي لإنجاز عمله، وهكذا حاله مع بقية الأركان.
3-المجردات مقابل المحسوسات و الملموسات:
إن من يستخدم النصف الأيسر من دماغه لا يجد صعوبة في إستخدام الرموز والمجردات كالحروف والكلمات والإعداد.
مثال على ذلك:
الطفل يفضل رؤية الحروف والأعداد مجردة ، ويجد متعة في عملية الربط بخط بين الحرف والكلمة التي تبدأ به مثل:
و نخلة
ن وردة
بينما الذي يستخدم النصف الأيمن من الدماغ يتلمس الأشياء الواقعية المحسوسة والملموسة فهو يدقق فيها ويلمسها ويتحسسها.
مثال على ذلك:
الطفل لا يفضل رؤية الحروف مجردة بل يفضل رؤيتها في كلمة مثل:
ك أ س كأس
4-المنطق مقابل الحدس والتخمين:
إن من يستخدم النصف الأيسر من الدماغ يتعامل مع الأشياء والأشكال المنظمة بطريقة منطقية .
مثال على ذلك :
ينظر الطفل إلى الكلمة حرف حرف ليرسم منها نتيجة منطقية مثل:
ق ل م قلم فهو يفضل التهجي والإملاء.
بينما النصف الأيمن من الدماغ يستخدم الحدس والتخمين والتنبؤ.
مثال على ذلك:
فهو يقرأ الكلمة وكأنه يحفظها دون تهجي أو إملاء لأنه يعرف المعنى الذي تنطوي عليه.
5- التعامل مع الألفاظ وغيرها:
إن الذين يستخدمون النصف الأيسر من الدماغ يجدون صعوبة نسبية في التعبير لغةً عن أنفسهم، بينما الذين يستخدمون النصف الأيمن من الدماغ يعرفون ما يريدون أن يعبروا به عن أنفسهم، مع أنهم يلاقون صعوبة في أختيار الكلمات المناسبة.
مثال على ذلك:
عندما تسأل المعلمة الطفل ماذا يفعل منذ أن يذهب إلى المنزل وحتى يعود إلى الروضة في اليوم التالي؟ فتكون إجابة الطفل الذي يستخدم النصف الأيسر من الدماغ: أذهب إلى المنزل و آكل وأذاكر وأنام وأعود غداً إلى الروضة.
بينما الطفل الذي يستخدم النصف الأيمن من الدماغ فتكون إجابته: أذهب إلى المنزل وأغتسل (ويشير بيديه كيفية الإغتسال) ثم أتناول وجبة الغذاء (ويشير بيديه اليمنى وهي تدنو من فمه) ثم ألعب قليلاً (وأيضاً يشير بيديه وهي تتحرك) ثم أذاكر ثم أتناول وجبة العشاء وأنام وأستيقظ صباحاً وأغتسل ثم أتناول وجبة الإفطار وأحضر إلى الروضة (وأيضاً بعد ذكر كل فعل يقوم به يدعمه بأشياء بصرية وهي الأشارة بيديه)، وهؤلاء الأطفال يفضلون رؤية الحروف أو الكلمات أو الأعداد مكتوبة يبصرونها.
6- الواقع والخيال:
النصف الأيسر من الدماغ تعامله مع الأشياء الموجودة فعلاً في الواقع، يتأثر بالبيئة ويتكيف معها، ويحاول أن يتعرف على القوانين والقواعد التي ينبغي له أتباعها. وإذا لم يوجد قوانين وقواعد وضعوا لأنفسهم قوانين وقواعد يتبعونها. بينما الذين يستخدمون النصف الأيمن من الدماغ يحاولون جاهدين تغيير البيئة، كما أنهم لا يدركون ما يصدر عنهم من أخطاء في القول أو الفعل. وهم بحاجة إلى دعم من الذين يستخدمون النصف الأيسر من دماغهم من الواقعيين.
مثال على ذلك:
الطفل يتعامل مع الأشياء الموجودة في روضته في الواقع ويتأثر بها ويتكيف معها، لذلك يحذر أن يصدر منه أي خطاء قولاً أو فعلاً لأنه راضي بالواقع.
بينما الطفل الذي يستخدم النصف الأيمن من الدماغ يحاول التمرد على الأشياء الموجودة في روضته فهو يحاول تغيرها، وبالتالي نتوقع منه أي خطاء قولاً أو فعلاً (كالإتلاف أو التكسير) لأنه يرفض الواقع كما أن الطفل الذي يستخدم الأيسر من الدماغ يتفوق في دراسته بينما الطفل الذي يستخدم الأيمن من الدماغ يتفوق في دراسته إلا أنه يتفوق في مجالات أخرى وغالباً مايكون موهوب ومبتكر.
الإستخدام الأمثل للدماغ:
إن الله سبحانه وتعالى جعل لكل عضو في جسم الإنسان وظيفة يؤديها ويستفيد منها ،فهو لم يمنح الإنسان أعضاء جسمه لتترك سدى دون أن يستفاد منها.
والإنسان إذا أهمل أي عضو في جسمه وترك دون أن يستفيد منه فإنه يفقد وظيفته ودوره الذي يقوم به.
وخلايا الدماغ مثلها مثل أي عضو في جسم الإنسان تفقد وظيفتها إذا أهملت وتركت دون أن تقوم بدورها الموكل إليها.
وقد أشارت بعض البحوث والدراسات الحديثة أن من يستخدمون نصفاً واحداً من الدماغ فقط سواءً كان هذا النصف هو الأيمن أو الأيسر، فإنهم معرضون للإصابة بداء العضال المسمى بالزهايمر في فترات العمر المتقدمة(10)، ويقصد بالزهايمر ضمور المخ.
ولذا يجب إستخدام جميع النعم التي منحها الخالق لعباده والإستفادة القصوى منها جميعاً، بما في ذلك الدماغ فيجب إستخدام نصفي الدماغ معاً وتحقيق التوازن الفريد في عملهما دون إفراط أو تفريط في أحدهما.
حيث أن عمل نصفي الدماغ معاً تحقق الكثير من التكامل في الوظائف التي يسندها الخيال(11).
لذا يجب تنشيط دماغ الطفل في مرحلة مبكرة تسبق الدراسة، لكي تستغل كل قدراته العقلية و الذهنية و الفنية خلال سنوات عمره المقبلة، فمثلاً النصف الأيسر من الدماغ يختص بالأعمال العقلية مثل القراءة و الكتابة و إستعمال الأرقام، والنصف الأيمن من الدماغ يختص بالأعمال الإبتكارية والإبداعية والفنية و التفكر والتأمل، ولذلك فإنه من المهم تنشيط دماغ الطفل، ودفعه للتعود من الصغر على إستعمال كل الدماغ بنصفيه الأيسر و الأيمن دون إهمال لأحدهما، وأيضاً تقبل المعلومات بسرعة عن طريق المثيرات المتنوعة المتعددة التي تتيح له ذلك(12).
وقد حذر العلماء من سوء التركيز على نمط واحد من الخبرات التعليمية، كأن يجري التركيز مثلاً على الخبرات التعليمية التي توظف النصف الأيمن من الدماغ من دون تقديم خبرات تعليمية توظف النصف الأيسر منه و تنشط التفاعل القائم بين النصفين، بمعنى ضرورة توظيف الدماغ بكامل إمكاناته وطاقاته وضرورة تكامل وظائف الدماغ(13).
وبذلك نجد أنه من الأفضل أن يتعرض الطفل لنشاطات تتطلب عمل كل من نصفي الدماغ. ولتحقيق ذلك يتم تشجيع الطفل على حل مشكلة أو مهمة ما بالطريقة المثلى التي تجعله قادراً على التنقل حسب الظروف بين نصفي الدماغ، لأنه لا يمكن لأي من نصفي الدماغ أن يختص بأي نشاط يقوم به دون النصف الآخر للدماغ. كما أنه لا يمكن لأي من نصفي الدماغ أن يعمل بمنأى عن النصف الآخر.
أثر البيئة على الدماغ:
إن دماغ الطفل يستمر في النمو بعد ولادته ويبلغ ذروته في السنوات الأولى من حياته. ويقوم المناخ المحيط بالطفل بحفز الخلايا العصبية في الدماغ على العمل خلال السنوات الأولى من العمر. وبذلك يحدد قدرة الشخص المستقبلية لتلقي المعلومات وتحليلها والتعامل معها. وعلى حسب نوعية البيئة المحيطة والتفاعلات التي يعيشها الطفل تنشط أجزاء معينة من الدماغ وتقوى فيها الإشارات والإتصالات العصبية. والأهم من ذلك أن الدماغ لا يحتفظ و يخزن المعلومات فقط أو يحدد قدرة الطفل المستقبلية على التحليل العقلي فحسب، بل ويخزن كذلك جميع العواطف والأحاسيس التي تكون القدرة على التفاعل والتعامل معها والتحكم فيها في جزء من الدماغ يسمى أميجدلا(Amygdala)(14).
وبالتالي يمكن القول أن الدماغ يتأثر – إيجاباً أو سلباً – بالبيئة المحيطة بالطفل الموهوب، فمتى كانت هذه البيئة مناسبة وغنية بالمثيرات فإنها تساهم في تقوية الدماغ .
فقد أكدت نتائج الأبحاث الحديثة على الجهاز العصبي أهمية السنوات الأولى في نمو وتطور دماغ الطفل، فالطفل يولد بحوالي 100-200 بليون خلية عصبية (عصبون) وكل خلية عصبية ذات طبيعة غير مكتملة ولكن لديها القابلية للتطور (15).
وبالتالي فالبيئة الغنية بالمثيرات وخاصةً في سنوات العمر الأولى، عندما يكون الدماغ أشد مرونة ستمكن في الواقع من تطوير و تفعيل خلايا الدماغ وتنشيطها، مما يكون له تأثير إيجابي في قدرات الطفل العقلية، و خاصة تلك القدرات التي تعين على التعلم مثل التذكر و الإنتباه و الإستيعاب. وفي المقابل فإن البيئة الفقيرة ذات المؤثرات السلبية والضغط والتوتر يوقف نشاط بعض خلايا الدماغ ويؤدي إلى تدهورها وإلى ضعف ونقص في قدرات الطفل المختلفة، وتعويض ذلك النقص فيما بعد سيكون مكلفاً للغاية وربما يستغرق وقتاً أطول.
لذا فإنه بإمكان الأسرة والروضة – من خلال التواصل بينهما – تهيئة البيئة التربوية والتعليمية المناسبة للطفل، وذلك من خلال تقديم الأنشطة والخبرات التعليمية التي تتناسب مع قدراته وإمكاناته العقلية، والعمل على تطويرها إلى أقصى درجه ممكنة.
منقول,,
- تقرير مفصل عن الدماغ البشرية جاهز للطباعة.docx (442.6 كيلوبايت, 362 مشاهدات)