الشاعر:- أبو القاسم الشابّي
** أولاً البنـاء الفكـري والشعوري:-
1- مضمون القصيدة :-
من الشعر الوطني الذي يدور حول قضايا الوطن ومشكلاته السياسية ..
— يحكي النص قصة المستعمرين مع الشعوب في مراحلها الثلاث:-
** 1- مرحلة الاستضعاف وفرض الهيمنة.
** 2- مرحلة الكمون والتربص وتجميع الطاقات .
** 3- مرحلة المحاسبة والقصاص والثورة على المستعمر .
-في المقطع الأول " من (1 – 3):-
يبرز الشاعر ملامح المستعمر ، ويفضح جرائمه : فهو طاغية ، ظالم ، مستبد ، مطبوع على الشر، ميال إلى التخريب ، يسلب الشعب حقوقه ، ويعشق الجهل والظلام ، يعادي الحياة ؛ قاسي القلب ، متحجر المشاعر ، يسخر من آلام الضعفاء ، ويريق الدماء متلذذا بها ، ويشوه معالم الجمال ، وينشر الحزن والشقاء .
— وفي المقطع الثاني"( 4 – 6 ) :-
يتحدث الشاعر عن هدوء الشعب ، واستكانته ، وانخداع المستعمر بهذا الهدوء الظاهري ، ولا يدري أن الشعب يجمع طاقاته لينقض حين تسمح له الفرصة ؛ فهدوء الشعب هدوء يسبق العاصفة ، والثورة الكامنة كنارٍ تحت الرماد لا بد أن تتوقد حين يحين موعد القصاص .
— في المقطع الثالث : ( 7 – 9 ):-
يشمخ الشاعر أمام الطغاة ،يُقَرِّعهم ، ويهددهم ، وينذرهم أن يوم الثأر قادم حين يندفع الشعب في ثورة عاصفة جارفة تجتث المستعمر من أصوله .
2- ســمات الأفكــار في النص :
** الجدة والابتكــــار :- الموضوع السياسي النضالي ، والمسألة الوطنية ، والتحريض على المستعمر .
** الوضــــوح:- فهي سهلة تصل إلى المتلقي بيسر ، ودون عناء ، خاصة أن الشاعر يخاطب الجماهير العادية .
** التسلسل المنطقي:-
ترتبط أجزاء الأفكار بعلاقات السبب والنتيجة : فمع البداية يكون البطش ، والفتك ، وبالبطش يكون الاستسلام ، ولكن إلى حين ، ويركن الطاغية إلى قوته الغاشمة ، ليفاجأ بالثورة العارمة تقضي عليه .
** قــوة المنطــق والقــدرة علــى الإقناع:-
فتاريخ الاستعمار عار وشنار ، ودماء ودموع ، وجرائم المستعمر وليدة ظلمه وجبروته ، ودليل وحشيته وعدوانيته ، وسبب عقابه وسوء عاقبته .. وهدوء الشعب تدبير إلى حين ، وصحو تتبعه العاصفة .. ودماء الشهداء ، ودموع الأبرياء وقود الثورة الشعبية الجارفة ، والمستعمر قد حكم على نفسه بنفسه ، وخط لنفسه سطور نهايته .
** التصوير من خلال الوجدان:-
وجدان الجماعة ، ووجدان الفرد . فالشاعر يتحدث عن آلام شعبه وثورته من خلال ذاته ، وتجربته الشخصية .
** الطابع الإنساني : يؤكد هذا الطابع أن النص لا ذكر فيه لتونس ، مع أنها وطن الشاعر ، لذا اتسعت دعوته لكل وطن مقيد مغلوب على أمره .
3- مـلامح الـمدرسـة الـرومانسية في القصيدة:-
* 1- الذاتية ، وعمق المعاناة ، وصدق التجربة .
* 2- الاهتمام بالخيال ، والولع بالطبيعة التي يستمد منها صوره .
* 3- اللغة المستمدة من الطبيعة (الرومانسية التعبيرية) مثل:- سحر الوجود – الربيع – صحو الفضاء – رباه – زهور الأمل – قصف الرعود – شوك الأسى .. …
* 4- نغمة الحزن والأسى ( الشاعر متألم ، ساخط على المستعمر)..
* 5- تنويع القافية .
* 6- الوحدة العضوية .
* 7- النزعة الإنسانية .
4- العــــاطفــة:-
وطنية إنسانية فيها الإشفاق والألم لما يصيب الشعب ، والثقة بقدرته على تذليل الصعاب ، وتحقيق النصر ، والنقمة على المستعمر، والسخرية منه ، والتمجيد للأحرار …
5- الـــوحدة العضـــويـة :-
وحدة القصيدة العضوية مُحْكَمَة ، تترابط الأبيات فكرا ووجدانا : أجزاؤها متحدة ، وتراكيبها قوية ، لا نفور في أبياتها ، ولا تشتت في معانيها. لا تستطيع تقديم بيت أو تأخيره أو حذفه،و ذلك نتيجة لتحقق الوحدة الفكرية والوحدة النفسية .
** البنـــاء التعبـــــيري:-
1- أدوات الخطــاب:-ألا "الاستفتاحية".
* النداء:-"أيها الظالم" .
ضمير الخطاب " الكاف " في ( كفك – يخدعنك. (
* الأمـر في ( تأمل ( وفي ( اسم فعل الأمر " حذار " )
وفي (المصدر المؤكِّد لاسم الفعل: رويدك (.
** ضمير المخاطب في خاتمة القصيدة ، علامة دالة على تحول المستعمر من فاعل للحدث ومصدر للشقاء:- (سخرت – سرت – تشوه – تبذر- حصدت – رويت – أشربت ) .
حيث يسخر, ويسير ، ويشوه ، ويبذر ، ويحصد ، ويشرب ؛ إلى مشلول الإرادة ، خائر القوى.
يقع عليه الفعل:- ( سيجرفك – يأكلك .. ) ، فينقلب الضعف قوة، والقوة ضعفا ..
** والخطاب متكرر في بداية كل مقطع ، حاد اللهجة ، منوع الأدوات والأساليب ، يؤكد عنف المواجهة..
— المقطع الأول:- ( ألا ) لإثارة الانتباه والاستفتاح .
أيها الظالم:- نداء للذم والسخط .
— المقطع الثاني:- ( رويدك ) مصدر مؤكد لفعل الأمر .
لا يخدعنك : نهي .
حـذار: أمــر . – وتفيد جميعا السخرية والتحذير والوعيد
والتهديد .
تحت الرماد اللهيب :أسلوب خبري .
ومن يبذر الشوك يجن الجراح:- أسلوب شرط..
– المقطع الثالث : ( تأمل ) أمر للتوبيخ والتقريع .
أنى حصدت: استفهام للإنكار، وبيان أن ما كان لا ينبغي أن يكون، وما كان للمستعمر أن يفعله.
سيجرفك السيل – ويأكلك العاصف المشتعل: أسلوبان خبريان للتهديد بعنف المحاسبة ..
2- الرمــز والإيحــاء :-
"السيل":- رمز لقوة الشعب وفاعلية المقاومة ، والرغبة في الحرية ، والعزم على الظفر .
"الشوك":-رمز لمعاناة الشعوب مما يعترض نهضتها وكفاحها من عقبات وصعاب .
"الوجود":- رمز الحياة الواسعة الحرة وما فيها من حق وخير وجمال .
" الزهور":- رمز للشباب ، والمستقبل ، والأماني العذاب ، والحياة الهنيئة .
"الظلام ":- في قوله ( حبيب الظلام ) رمز للتخلف والجهل والقهر.( وهو رمز شر هنا ).
( الظلام ) في قوله ( هول الظلام ) رمز لعتو الثورة التي تفقد المستعمر الرؤية ..وتنذره بسوء المصير .. ( وهو رمز خير هنا). .
"الربيع":- في قوله )لا يخدعنك الربيع ) رمز القوة والغرور، والهيمنة [ في نظر المستعمر ].. ورمز الهدوء والاسترخاء والراحة، والخضوع، وتحين الفرص [ كما يراها الشعب].
"مخضوبة":- توحي بساديّة المستعمر ، حيث يرى في الدماء زينة
" تأمل":- توحي بطيش المستعمر ، وقصر نظره ، وضيق أفقه .
"هنالك":- توحي باتساع نطاق العدوان .
"ثمل":- توحي بالامتلاء ووصول الأمر إلى حد لا مزيد عليه ، وتوحي بنشوة ) التراب ) الوطن ، لاستبشاره بقرب الثورة ، وساعة الخلاص .
"السين":- في سيجرفك : تقوي الإيحاء السابق، وتوحي بسرعة الشروع في الرد، وعنفه، وهوله
حتى ثمل " حتى " حرف غاية وابتداء ، يوحي أن ما يعنيه في قوله ) سيجرفك السيل ) غاية ونهاية لما حدث من قبل:- ( سخرت – وسرت تشوه – وتبذر – حصدت رؤوس الورى – رويت بالدم – أشربته الدمع ..(
3- أثـر العـاطفـة فـي التعبــير:-
** الألفاظ تبرز أحاسيس الشاعر :
— الألفاظ : ( الدمع – الدم – الجراح – أنات – الأسى ) مشحونة بالكآبة ، وتعبر عن الإشفاق ، والتحسر .
— الألفاظ : ( الظالم – المستبد – حبيب الظلام – عدو الحياة – سخرت – تشوه – تبذر شوك الأسى – تأمل – حصدت رؤوس الورى – رويت – أشربته الدمع ) مشحونة بالتوبيخ والتقريع ، وتعبر عن البغض والاحتقار .
— الألفاظ : ( هول الظلام – قصف الرعود – عصف الرياح – سيجرفك السيل – ويأكلك العاصف المشتعل ) استوحت من الطبيعة عناصر القوة ، ومظاهر الرعب ، وتعبر عن تمجيد الشعب وتضخيم الثورة ..
4- المحســنات البـديعـية :
— الطبـــاق بين ( حبيب الظلام ) و ( عدو الحياة ) يوحي بحرص الطغاة على تخريب العالم وتدمير الحياة .
— الجناس بين ( قصف ) و( عصف ) فيه موسيقا صاخبة ورنين قوي سريع كقوة الرعد وسرعة الريح ؛ ويبرز حدة الانفعال وفورة الغضب .
— الجناس بين ( الدم ) و ( الدمع ) يصدر رنة توحي بالأسى .
— الجناس بين ( الظالم ) و ( الظلام ) ، بموسيقاه وإيقاعه ، يوحي أن الظالم وضع نهايته بيده ، لأن الظلم ظلمات على الظالم .
** البنــاء التـصــــويـــري:-
1- التصــوير الجــزئـي:-
— التشــــبيه:- يقوم أكثره على إضافة المشبه به إلى المشبه.
– شوك الأسى:- توحي بعمق الألم وشدة المعاناة .
سحر الوجود:- توحي بأثر الوجود الجميل في عين من يراه، وسرعة ميل القلب إليه
لجماله وفتنته.
زهور الأمل:- توحي بشراسة المستعمر وجبنه، فقد تجاوز القتل والتدمير، إلى
مطاردة الأحلام، ومصادرة أماني الشعب في الحرية والكرامة.
سيل الدماء:- توحي بالتحول في أسلوب المواجهة إلى المقاومة، وبروعة الفداء،وعظم التضحية.
– التشبيه الضمني بين البيتين:- الرابع والخامس ، وصدر البيت السادس؛ فقد شبه الربيع والصحو والهدوء الظاهري الذي يخفي تحته ثورة مدمرة ، وظلاما ورعودا ورياحا ، بالرماد الذي يخفي تحته لهيبا .. ويقدم هذا التشبيه دليلا حسيا على إمكان ولادة الثورة الشعبية في الوقت الذي تشتد فيه سطوة المستعمر .. ويفسـّـر النكسة والوثبة في تحرك الشعب، والتخلف والنهضة في حركة المجتمع .
— الكنـــــاية:-
سخرت بأنات:- كناية عن تحجر المشاعر .
كفك مخضوبة:- كناية عن كثرة إراقة الدماء،وقسوة القلب .
صحو الفضاء:- كناية عن مواتاة الظروف ..
*والكناية تقدم المعاني في صور حسية ، وتعرض الحقائق مصحوبة بالدليل .
— الاســــتعارة :-
الظلام:- استعارة تصريحيه شبة التخلف بالظلام.
الحياة:- استعارة تصريحيه شبة الحرية بالحياة.
زهور الأمل:- استعارة تصريحيه للشباب.
حصدت رؤوس الورى :-استعارة مكنية ..
" قلب التراب" و"أشربته الدمع حتى ثمل" استعارتان مكنيتان ، فيهما تشخيص للتراب ، في صورة إنسان نشوان بالدم ، وإيحاء بأن دماء الشهداء ، ودموع الأبرياء وقود الثورة ، وأن فجر الحرية قد اقترب .
ومن يبذر الشوك يجن الجراح:- استعارة تمثيلية ؛ فقد شبه هيئة المستعمر الذي يزرع الشر فلا يحصد إلا الشر ، بهيئة فلاح يبذر شوكا فلا يحصد سوى الجراح .
التصــويــر الكلــي:-
المقطع الأول:-
صورة كلية للمستعمر الطاغية فهو ظالم ، متحجر المشاعر ، تقطر يداه دما ، يشوه معالم الحياة ، وينشر الخراب والدمار .
خــطــــوطــــها: اللون المثير للكآبة والحزن" مخضوبة- الظلام- الشوك".
— الصوت المثير للحزن والحسرة " أنات- سخرت".
— الحركة المبرزة لقسوة المستعمر " سرت – تبذر".
المقطع الثاني:-
صورة كلية للثورة في مرحلة الكمون والمخاض:- هدوء ظاهري تجمع الثورة فيه طاقاتها،وتعد العدة للقضاء على المستعمر، ويظنه المستعمر خضوعا واستكانة نهائية .
خــطـــوطـــــها:-
اللون"الربيع – الصحو – الفضاء – الضوء – الصباح – الأفق – الظلام – الرماد – اللهيب – الشوك – الجراح "
الصوت:- " قصف – الرعود – عصف"..
الحركة:- "عصف – الرياح – يبذر – يجني"
** البنــــاء المـوســيقي:-
* المـوسيقى الـداخليــة:-
– تكرار الحروف والكلمات:- كتكرار ( التاء و السين و الراء ) في البيت الثالث.
وتكرار ( السين ) في البيت الأخير [ ســيجرفك الســيل ســـيل الدماء]
-حسن التقسيم:- كما في عجز البيت الأول [ حبيب الظلام، عدو الحياة ].
وكما في الأبيات الرابع ، والخامس ، والسابع .
-التقفية الداخلية ( الترصيع ) : كما في [ رويدك ، لا يخدعنك ] في البيت الرابع ؛ وقوله : [ سيجرفك .. ويأكلك ] في البيت التاسع .
-تجانس الوزن الصرفي لبعض الكلمات ،مثل : [ صحو – ضوء – قصف – عصف]
و[ رؤوس – زهور].