بالرغم من وكفِ الدموع وهطلِ العبرات، إلا أنها قلّمت أظافرَ غضب زوجها بحلمها وأطفأت جمرةَ انفعاله بحكمتها، فعندما هدّد الزوجُ بالطلاق بعد خلافٍ عارض ولوّح بالويل والثبور وعظائم الأمور، لم تتعامل مع المشهد بطيش بل تجاوزت دائرة الكرامة (الهشة) إلى دائرة الحكمة (البالغة)، بوضع الأمور في نصابها والتصرفُ برزانة حلم ووافرِ عقل، ومعه استطاعت إعادة هذا الزوج (الآبق) إلى حظيرة الحق (دافعةً) أذاه بابتسامة واعتذارٍ لم يكلفها شيئاً (محافظةً) على بيتها وأولادها، وكذلك على زوجها الذي (استزله) الشيطان وتقزَّمت أخلاقه في تلك اللحظة، وحالت تلك المرأة (العظيمة) بينه وبين ندمٍ (موجع) سيزوره، وصدّت عنه جيوشًا من الأحزان تتربّصُ به فيما لو أنفذ وعده!
وقد صدق من قال: «لا تبلغُ الأعداءُ من أحمقٍ ما يبلغ الأحمقُ من نفسه».
ولو فعل فعلته فلن يغُني عنه والله هذا المكسب (الخسيس) ولن ينفعه ذاك الانتصار (الباهت)، فكم من الأضرار سيقع له ولأسرته بعدما يقع الفأس في الرأس!
وسيُدركُ حينها (سقم) تصرفه، ولكن ما أسهل أن تكون عاقلًا بعد فوات الأوان!!
إنّ الكثير يُبالغ في ردّة الفعل في بعض المواقف، ويستخدم كل الأسلحة الممكنة للإجهاز على خصومه والنّيل منهم ابتداءً من السخرية إلى الاحتقار ومرورًا بالتهديد وانتهاءً بالعنف، وقد ظن (واهمًا) أنه بذلك ينال من خصمه ويوقع به الأذى، وما علم المسكين أنه ومع كل مبالغة في ردّة الفعل يسكب (دلوًا) من البنزين في داخله يُشعل به جحيمًا من الكُرْه في قلبه، ويُذكي معه ألسنة الحقد في روحه ويُضاعف الشر ويعمّق الأزمات ويا ليت الأمر يستحق!
فما أقبح أن يُحرق المستودع من أجل فأر صغير قد اختبأ داخله، أو أن تُطفئ شرارة صغيرة بسكب وعاء ماء كبير عليها!
إنّ من يحل مشاكل الكبار بأساليب الصغار، حيث الصراخ والشتم والعنف كعادة نفسية ونمط سلوكي دائم، شخصٌ غير جدير بالاحترام وغير مهيأ لنيل المراتب العليا، فالشتمُ سهلٌ ويقدر عليه الصغار والبلهاء، والصراخُ حيلة معدومي الحجّة، والضربُ لغة المساكين وعاجزي الحيلة، والتهديدُ والوعيدُ سلاح الجبناء، ولم يكذب من قال: إنّ الطبعَ الأحمق شرٌ من الحظ العاثر!
ومضة قلم:
لا تجادل الأحمق فقد يخطئ الناس في التفريق بينكما!